التفاسير

< >
عرض

وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً
٢
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً
٣
وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً
٤
فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً
٥
-الإسراء

بحر العلوم

{ وَءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } أي: التوراة جملةً واحدةً { وَجَعَلْنَـٰهُ } أي: الكتاب { هُدًى لّبَنِى إِسْرٰءيلَ } أي: بياناً لهم من الضلالة أي: دللناهم به على الهدى { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاً } يعني: ألاَّ تعبدوا من دوني ربَّا. قوله: { ذُرّيَّةَ } يعني بالذرية { مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } في السفينة في أصلاب الرجال وأرحام النساء. ويقال: معناه: ألاّ تعبدوا ذُريةً من حملنا مع نوح. مثل عيسى وعزير. قرأ أبو عمرو "يَتَّخِذُوا" بالياء على معنى المغايبة والخبر عنهم. أي: أعطيناك الكتاب لكيلا يتخذوا إلَهاً غيري. وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة. أي: قل لهم لا تتخذوا إلهاً غيري ثم أثنى على نوح فقال تعالى { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } أي: كان يحمد الله إذا شرب وأكل واكتسى. ويقال: الشكور هو المبالغ في الشكر أي: كان شاكراً في الأحوال كلها. قوله: { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } يقول: أعلمنا وبينا كقوله: { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } أي: أعلمناه وبيناه { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } يعني: أخبرناهم في التوراة { لَتُفْسِدُنَّ } أي: لتعصن { فِى ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } والعلو العتو على الله تعالى والجرأة. وهذا قول ابن عباس، وقال مقاتل: يعني: لتهلكن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً. يعني: لتقهرن قهراً شديداً. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه قال: أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت. حتى بعث الله طالوت ومعه داود فقتله داود. ثم رُدَّت الكرة لبني إسرائيل. ثم جاء وعد الآخرة من المرتين، { { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } [الإسراء: 7] أي: يقبحوا وجوهكم وليدمروا تدميراً وهو بُخْتُنَصُرَّ وإن عدتم عدنا فعادوا فبعث الله عليهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "وَعْدُ أُولاهُمَا" جاءتهم فارس معهم بختنصر ثم رجعت فارس. يعني: أهل فارس ولم يكن قتال ونصرت بنو إسرائيل عليهم فذلك وعد الأولى، فإذا جاء وَعْدُ الآخرة جاءهم بختنصر ودمر عليهم. وروى أسباط عن السدي أن وعد الأولى كان ملك النبط فجاسوا خلال الديار، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا وغزوا النبط فأصابوا منهم واستنقذوا ما في أيديهم فردت الكرة عليهم. وكان بختنصر في ذلك الوقت يتيماً في ذلك العسكر وخرج ليسأل شيئاً فلما رأى كبر جمع الجيوش وجاء بهم وخوفهم وخرب البلدة. قال القتبي: إن بختنصر غزاهم فرغبوا إلى الله تعالى وتابوا فردَّ الله عنهم. بعد أن فتحوا المدينة وجالوا في أسواقها ثم أحدثوا فبعث الله إليهم أرميا النبي عليه السلام فقام فيهم بوحي الله فضربوه وقيدوه وحبسوه. فبعث الله تعالى إليهم عند ذلك بختنصر ففعل ما فعل. وقال الكلبي: لما عصوا الله وهو أول الفسادين سلط الله عليهم بختنصر، خرج من بابل فأتاهم بالشام وظهر على بيت المقدس فقتل منهم أربعين ألفاً ممن كان يقرأ التوراة وأدخل بقيتهم أرضه فمكثوا كذلك سبعين سنة، حتى مات. ثم إن رجلاً من أهل همدان يقال له: كورش غزا أهل بابل فظهر عليهم وسكن الدار وتزوج امرأة من بني إسرائيل وطلبت إلى زوجها أن يرد قومها إلى أرضهم. ففعل فردهم إلى أرض بيت المقدس فمكثوا فيها، فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه ثم عادوا فعصوا المرة الثانية. فسلط الله عليهم ملكاً من ملوك الروم يقال له إسبسيانوس فحاصرهم سنين ثم مات فبعث الله عليهم ابنه ططيوس بن إسبسيانوس فحاصرهم سنين. ثم فتحها بعد ذلك فقتل منهم مائة ألف وثمانين ألفاً حتى قتل يحيى بن زكريا وحبس منهم مثل ذلك وخرب بيت المقدس فلم يزل خراباً حتى بناه المؤمنون في زمن عمر رضي الله عنه فذلك قوله: { فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا } يقول: أول الفسادين { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } أي: سلطنا عليكم { عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } يعني: ذَوي قتال شديد { فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ } يقول: قتلوكم وسط الأزقة وقال القتبي: فجاسوا أي: عاثوا وأفسدوا ويكون جاسوا بمعنى: دخلوا بالفساد { وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً } يعني: كائناً لئن فعلتم لأَفعلن بكم.