التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً
٩٩
قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً
١٠٠
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً
١٠١
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً
١٠٢
-الإسراء

بحر العلوم

قال الله تعالى: { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } يعني: أو لم يخبروا في القرآن { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } يعني: يحييهم بعد الموت { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } أي: لا شك فيه عند المؤمنين أنه كائن { فَأَبَىٰ ٱلظَّـٰلِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا } أي: أبى المشركون عن الإِيمان ولم يقبلوا إلاّ الكفر. ثم قال تعالى: { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى } يقول: لو تقدرون على مفاتيح رزق ربي { إِذًا لأمْسَكْتُمْ } أي لبخلتهم وامتنعتم عن الصدقة { خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } أي: مخافة الفقر { وَكَانَ ٱلإنْسَـٰنُ قَتُورًا } أي: ممسكاً بخيلاً. قال الزجاج: هذا جواب لقولهم { { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } [الإسراء: 90] وقال بعضهم: هذا ابتداء، وصف بخلهم. قوله: { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءايَـٰتٍ بَيّنَاتٍ } أي: علامات واضحات مضيئات بالحجة عليهم وهاديات إذ جاءهم موسى بالبينات.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن عباس في قوله تسع آيات بينات: وهي في سورة الأعراف
{ { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } [الأعراف: 130] قال: السنين لأهل البوادي ونقص الثمرات لأهل القرى، فهاتان آيتان والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وهذه خمسة ويد موسى إذ أخرجها بيضاء من غير سوء وعصاه إذ ألقاها فإِذا هي ثعبان مبين. قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا أبو موسى محمد بن إسحاق وخزيمة قالا: حدثنا علي بن حزم بن حشرم قال: حدثنا عيسى بن يونس عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله عن هذه الآيات { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءايَـٰتٍ بَيِّنَاتٍ } فقال: لا تقل نبي. فإنه لو سمعها صارت له أربعة أعين. فأتوه فسألوه فقال: "ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تسحروا ولا تقذفوا محصناً أو قال ولا تفرقوا يوم الزحف ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله. وعليكم خاصة يا معشر اليهود ألا تعدوا في السبت " ، فقبلا يديه ورجليه فقالوا: نشهد إنك نبي الله ورسوله فقال: "وما يمنعكما أن تسلما؟" فقالا: إن داود دعا ربه ألاَّ يزال في ذريته نبي. فنخاف أن يقتلنا اليهود ثم قال تعالى { فَٱسْأَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } يعني: سل مؤمني أهل الكتاب عن هذه الآيات { إِذْ جَاءهُمْ } يعني: حين جاءهم موسى { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لاظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَّسْحُورًا } أي: مغلوب العقل. قوله: { قَالَ } أي: موسى يا فرعون { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء } الآيات قرأ الكسائي "علمتُ" بضم التاء يعني: علمت أنا من أنزل هؤلاء الآيات { إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني: إن لم تصدقوني فأنا على يقين من ذلك. وقرأ الباقون بالنصب يعني: إنك تعلم ذلك كما قال في آية أخرى: { { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [النمل: 14]. { بَصَائِرَ } أي: علامات لنبوتي. ويقال: علامات بينات { وَإِنّى لأظُنُّكَ } أي: لأعلمنك { يٰفِرْعَونُ مَثْبُورًا } أي: ملعوناً هالكاً. قال الحسن: مثبوراً أي: مهلكاً. وكذا قال قتادة. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: مثبوراً أي: ملعوناً وكذا روى الكلبي والضحاك.