التفاسير

< >
عرض

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً
٣٥
وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً
٣٦
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً
٣٧
لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً
٣٨
وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً
٣٩
فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً
٤٠
أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً
٤١
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً
٤٢
-الكهف

بحر العلوم

{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } وهو آخذ بيد أخيه المسلم { وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ } بالشرك فمن كفر بالله فهو ظالم نفسه لأنه أوجب لها العذاب الدائم { قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } لأن أخاه المؤمن عرض عليه الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر فأجابه الكافر { فَقَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } يعني: لن تفنى هذه أبداً { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } أي: كائنة { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى } أي: إن كان الأمر كما يقول ورجعت إلى ربي في الآخرة { لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً } في الآخرة أي: مرجعاً قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (خَيْراً مِنْهُمَا) لأنها كناية عن الجنتين وقرأ الباقون (منها) لأنه كناية عن قوله { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } { قَالَ لَهُ صَـٰحِبُهُ } أي: أخاه المسلم { وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ } أي: يكلمه ويعظه في الله تعالى: { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } يعني: آدم عليه السلام { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } يعني: خلقك معتدل قوله: { لَكِنَّا هُوَ ٱللَّهُ رَبّى } قرأ ابن عامر ونافع في إحدى الروايتين (لَكِنَّا) بالألف وتشديد النون لأن أصله لكن أنا فأدغم فيه وقرأ الباقون لكن وفي مصحف الإِمام (لَكِنْ أَنَاْ هُوَ للَّهُ رَبِّي) فهذا هو الأصل في اللغة ومعناه لكن أنا أقول هو الله ربي { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ } يقول فهلا إذ دخلت بستانك { قُلْتَ مَا شَاء ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } يعني: بقوة الله أعطانيها لا بقوتي وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ أُعْطِيَ خَيْراً مِنْ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله لَمْ ير فِيهِ مَا يَكْرَهُ" { إِن تَرَنِ } يعني إن رأيتني { أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا } في الدنيا { فعسَىٰ رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ } هذه في الآخرة { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا } أي: على جنتك { حُسْبَانًا مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } أي: ناراً من السماء وهذا قول الكلبي أيضاً ومقاتل وقال القتبي: (حُسْباناً) أي: مرامي واحدها حسبانة وقال الزجاج: الحسبان أصله الحساب كقوله { { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [الرحمن: 5] أي: بحساب وهكذا قال هنا حسباناً أي: حساباً بما كسبت يداك وقال بعض أهل اللغة الحسبان في اللغة سهم فارق وهو ما يرقي به ثم قال: { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } أي: فتصير تراباً أملس لا نبات فيها { أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا } أي: غائراً يقال: غار ماؤها فلم يقدر عليه { فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } أي: حِيلَةً { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أي: فأهلك جميع ماله والاختلاف في الثمر كما ذكرنا { فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ } أي: يصفق يده على الأخرى ندامة { عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } من المال { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي: ساقطة على سقوفها { وَيَقُولُ } في الآخرة { يٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا } في الدنيا.