التفاسير

< >
عرض

فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
٢٢
فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
٢٣
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً
٢٤
وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً
٢٥
فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً
٢٦
-مريم

بحر العلوم

{ فَحَمَلَتْهُ } يعني: حملت مريم بعيسى عليه السلام وقال وهب بن منبه إن مريم حملت بعيسى عليه السلام تسعة أشهر وقال بعضهم ثمانية أشهر فتلك آية لأنه لا يعيش مولود في ثمانية أشهر وروي في بعض الروايات عن ابن عباس أنه قال ما هي إلا أن حملت ثم وضعت وقال: مقاتل حملت في ساعة ووضعت في ساعة { فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } يعني: انفردت بولادتها مكاناً بعيداً قال القتبي: القصيُّ أشد بعداً من القاصي ثم قال: { فَأَجَاءهَا ٱلْمَخَاضُ } يعني: جاء بها وألجأها المخاض يعني: الطلق بولادة عيسى عليه السلام: { إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } أي: أصل النخلة قال ابن عباس النخلة اليابسة في شدة (الشتاء يعني) الطلق { قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } يعني: شيئاً متروكاً لم أذكر ويقال للشيء الحقير الذي إذا ألقي ينسى نسي وقال قتادة يعني لا أُعرف ولا أُدرى من أَنا وقال عكرمة: يعني جيفة ملقاة وهكذا قال الضحاك وقال ربيعة بن أنس يعني: سقطاً قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِياً بنصب النون والباقون نِسْياً بكسر النون قال أبو عبيد وبالكسر نقرؤها لأنها كانت أكثر في لغة العرب وأفشاها عليها أهل الحرمين والبصرة { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا } قرأ حمزة والكسائي ونافع وعاصم في رواية حفص من بالكسر يعني الملك وهكذا قرأ مجاهد والحسن والباقون مَن بالنصب يعني به: عيسى عليه السلام وقال أبو عبيد بالأولى نقرأ يعني بالكسر لأن قراءتها أكثر والمعنى فيها أعم لأنه إذا قال مِنْ تَحْتِهَا فإنما هو عيسى خاصة { أَلاَّ تَحْزَنِى } بولادة عيسى وبمكان الجدب { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أي: نهراً صغيراً بحبال ويقال قد جعل ربك تحتك سرياً أي: بيتاً فذكر هذا القول عند ابن حميد فأنكره وقال هو الجدول ألا ترى أنه قال فكلي واشربي قال مجاهد: السري بالسريانية وقال سعيد بن جبير: بالنبطية { وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } يقول: حركي أصل النخلة { تُسَـٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } أي: غضاً طرياً قرأ حمزة تساقط بنصب التاء وتخفيف السين وأصله تتساقط إلا أنه حذفت منه إحدى التاءين للتخفيف وهذا كقوله { { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } [النساء: 42] وأصله تتسوى وكقوله { { تَظَـٰهَرُونَ علَيْهِم } [البقرة: 85] وكقوله { { تَنشَقُّ } [مريم: 90] وقرأ عاصم في رواية حفص تتساقط بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف يعني: أن النخلة تساقط عليك وقرأ الباقون بالنصب وتشديد السين ونصب القاف لأن التشديد أقيم مقام التاء التي حذفت وروي عن البراء بن عازب أنه كان يقرأ يساقط بالياء يعني أن الجذع يساقط عليك وقرأ بعضهم تساقط بالنون ومعناه: ونحن نساقط عليك وروي أنها كانت نخلة بلا رأس وكان ذلك في الشتاء فجعل الله تعالى لها رأساً وأنبت فيها رطباً فذلك قوله تساقط عليك رطباً أي غضاً طرياً قيل لها { فَكُلِى } من الرطب { وَٱشْرَبِى } من النهر { وَقَرّى عَيْناً } أي طيبي نفساً بولادة عيسى وقال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي دواء إلا الرطب ولا للمريض إلا العسل ثم قال تعالى: { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } يعني: إن رأيت أحداً من الناس { فَقُولِى } إن سألك أحد شيئاً فقولي { إِنّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } يعني: صمتاً وروي عن ابن عباس في بعض الروايات أنه كان يقرأ إني نذرت للرحمن صمتاً { فَلَنْ أُكَلّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } يعني: قولي ذلك بالإشارة لا بالقول وكان المتقدمون يصومون من الكلام كما يصومون من الطعام.