التفاسير

< >
عرض

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
١٠
-البقرة

بحر العلوم

قوله تعالى: { فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعني شكاً ونفاقاً وظلمة وضعفاً، لأن المريض فيه فترة ووهن، والشاك أيضاً في أمره فترة وضعف. فعبر بالمرض عن الشك لأن المنافقين فيهم ضعف ووهن، ألا ترى إلى قوله تعالى { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } [المنافقون: 4] ويقال: إن المريض تعرض للهلاك، فسمي النفاق مرضاً، لأن النفاق قد يهلك صاحبه [لأن الخلق على مراتب ثلاث، ميت في الأحوال كلها كالكافر وحي في الأحوال كلها كالمؤمن لقوله تعالى { أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ } [الأنعام: 122]، ومريض كالمنافق] ثم قال تعالى { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا } وهذا اللفظ يحتمل معنيين: يحتمل الخبر عن الماضي، ويحتمل الدعاء، فإن كان المراد به الخبر فمعناه: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً إلى مرضهم كما قال في آية أخرى { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125] لأن كل سورة نزلت يشكون فيها، فكان ذلك المرض [لهم]، وللمؤمنين زيادة اليقين. وإن كان المراد به الدعاء، فمعناه: فزادهم الله مرضاً على مرضهم، على وجه الذم والطرد لهم كما قال في آية أخرى { { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } } [التوبة: 30] أو لعنهم الله فإن قيل: كيف يجوز أن يحمل على وجه الدعاء، وإنما يحتاج إلى الدعاء عند العجز قيل له: هذا تعليم من الله تعالى أنه يجوز الدعاء على المنافقين والطرد لهم لأنهم شر خلق الله تعالى، لأنه وعد لهم يوم القيامة الدرك الأسفل من النار. ثم قال { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني مؤلم، أي عذاب وجيع الذي يخلص وجعه إلى قلوبهم. قوله { بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } أي مجازاة لهم بتكذيبهم. قرأ حمزة وابن عامر { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ } بكسر الزاي، وهي لغة بعض العرب، [وقرأ عاصم وأبو عمرو] (بالفتح) وهي اللغة الظاهرة، وقرأ أهل الكوفة، عاصم وحمزة والكسائي (يكذبون) بتخفيف الذال، وقرأ الباقون بالتشديد. فمن قرأ بالتخفيف فمعناه: بما كانوا يكذبون بقولهم أنهم مؤمنون، وجحدوا في السر لأنهم كفروا بالله، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - في السر. ومن قرأ بالتشديد فمعناه بما كانوا يكذبون، يعني ينسبون محمداً إلى الكذب، ويجحدون نبوته.