التفاسير

< >
عرض

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٢١٢
-البقرة

بحر العلوم

قوله تعالى: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَـٰوةُ ٱلدُّنْيَا } قال الكلبي: نزلت في شأن رؤساء قريش زين لهم ما بسط لهم [في الدنيا] من الخير { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } في أمر المعيشة لأنهم كانوا فقراء { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي أطاعوا الله وهم فقراء المؤمنين { فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي فوق المشركين في الجنة والحجة في الدنيا. وقد اختلفوا في قوله: { زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال بعضهم: يعني زينها لهم إبليس لأن الله تعالى قد زهد فيها وأعلم أنها متاع الغرور ولكن الشيطان زين لهم الأشياء كما قال في آية أخرى: { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } [النمل: 24] [وقال في آية أخرى { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } [النمل: 4] فكان ذلك مجازاة لكفرهم] [وقال بعضهم: معناه أن الله تعالى زين لهم لأنه خلق فيهم الأشياء العجيبة] فنظر إليها الذين كفروا فاغتروا بها وروي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يقول الله تعالى لملائكته: لولا أن يحزن عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من ذهب ولصببت عليه الدنيا صباً" ومصداق ذلك في القرآن { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } [الزخرف: 33] الآية وقال عليه الصلاة والسلام: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي يرزق (من يشاء رزقاً كثيراً لا يعرف حسابه). ويقال: (بغير حساب) أي يرزقه ولا يطلب منه حسابه بما يرزقه ويقال: بغير حساب أي ليس له أحد يحاسبه منه بما يرزقه ويقال: بغير حساب أي بغير احتساب. كما قال في آية أخرى { { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 3] وكل ما في القرآن: { يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } فهو على هذه الوجوه الأربعة.