التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٥٩
-البقرة

بحر العلوم

ثم قال عز وجل: { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } قال بعضهم: معناه إِحيائي ليس كإحياء النمرود ولكن إحيائي كإحياء عزير - عليه السلام - أحييته بعد مائة عام. وقال بعضهم هو معطوف على ما سبق من قوله: { { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } [البقرة: 243] و { { إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَٰهِيمَ فِى رِبِّهِ } [البقرة: 258] { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ }. قال مقاتل: والذي مر على قرية هو عزير بن شرخيا وكان من علماء بني إسرائيل فمرَّ بدير هرقل بين واسط والمدائن على حمار فمر بها { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا }. وقال الضحاك بن مزاحم: هو عزير النبي - عليه السلام - مر ببيت المقدس وقد خربها بخت نصر وقتل منهم سبعين ألفاً وأسر منهم سبعين ألفاً أي من بني إسرائيل فمر عزير فقال: { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا }. وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: إن بخت نصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم ناساً كثيرةً فجاء بهم وفيهم عزير بن شرخيا وكان من علماء بني إسرائيل فجاء بهم إلى بابل فخرج ذات يوم لحاجة له إلى دير هرقل على شاطىء دجلة فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له فربط حماره تحت ظل شجرة ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكناً. { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } يقول ساقطة على سقوفها وذلك أن السقف يقع قبل الحيطان ثم الحيطان على السقف فهي خاوية على عروشها. قال بعض أهل اللغة: الخاوية الخالية. وقال بعضهم: بقيت حيطانها لا سقوف عليها. [وقال الزجاج: عروشها هي الخيام وهي بيوت الأعراب]. فتناول من الفاكهة والتين والعنب ثم رجع إلى حماره فجلس يأكل من تلك الفاكهة ثم عصر من العنب فشربه ثم جعل فضل التين [والعنب] في سلة وفضل العصير في الزق ثم نظر إلى القرى فتعجب من كثرة ثمرها وفناء أهلها فـ { قَالَ: أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } فلم يشك في البعث ولكن أحب أن يريه الله كيف يحيي الموتى فلما تكلم عزير بذلك نام في ذلك الموضع { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ } في منامه { مِاْئَةَ عَامٍ } وأمات حماره { ثُمَّ بَعَثَهُ } الله تعالى في آخر النهار ومنعه الله تعالى في حال موته عن أبصار الناس والسباع والطير فلما بعثه الله تعالى سمع صوتاً { قَالَ } له: { كَمْ لَبِثْتَ } (أي) كم مكثت في نومك يا عزير { قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا } ثم نظر إلى الشمس وقد بقي منها شيء لم تغرب فقال: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } { قَالَ }: له { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } يعني كنت ميتاً مائة عام ثم أخبره ليعتبر فقال: { فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ } يعني الفاكهة { وَشَرَابِكَ } يعني العصير { لَمْ يَتَسَنَّهْ } يعني لم يتغير كقوله: { مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } [محمد: 15] أي غير متغير ويقال: لم يتسنه كأنه لم تأت عليه السنون. قرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو: (كم لبثت) بإدغام (الثاء) والتاء. وقرأ الباقون: بإظهارها وقرأ الكسائي: (لم يتسن) بغير هاء عند الوصل [وأثبتت] عند القطع. وقرأ حمزة: بحذف الهاء عند الوصل والقطع جميعاً وقرأ الباقون بإثبات الهاء عند الوصل والقطع وقرأ نافع: (أنا أحيي) بمد الألف وكذلك في جميع القرآن نحو هذا إلا في قوله: { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ } [الأعراف: 188] وقرأ الباقون بغير مد ومعنى القراءتين في هذا كله واحد ثم نظر عزير - عليه السلام - إلى حماره وقد بلي فنودي: انظر إلى حمارك فإذا هو عظم [أبيض يلوح] وقد تفرقت أوصاله ثم سمع صوتاً قال: أيتها العظام البالية إني جاعل فيكن روحاً فاجتمعن فسعى بعضها إلى بعض حتى استقر كل شيء في موضعه ثم بسط عليه الجلد ونفخ فيه الروح فإذا هو قائم ينهق فخر عزير ساجداً [لله تعالى] وقال عند ذلك: أعلم أن الله على كل شيء قدير فذلك قوله تعالى: { وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً لِلنَّاسِ } أي عبرة للناس لأن أولاده قد صاروا شيوخاً وقد كان شاباً. { وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا }. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو [بالزاي] وقرأ الباقون [بالراء] فمن قرأ بالراء فمعناه كيف نحييها ونظيرها { { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } [الأنبياء: 21] أي يبعثون الموتى ومن قرأ بالزاي: أي كيف يضم بعضها إلى بعض النشز: ما ارتفع من الأرض وهذا كما جاء في الأثر: الرضاع ما أنبت اللحم، وأنشز العظم. وقال أهل اللغة: أصل النشز الحركة يقال: نشز الشيء إذا تحرك ونشزت المرأة عن زوجها والمراد ها هنا [تضمنها] { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ: أَعْلَمُ } قرأ حمزة والكسائي: (اعلم): بالجزم على [مضي] الأمر، وقرأ الباقون: (قال: أعلم) على معنى الخبر عن نفسه [ومعناه] علمت بالمعاينة ما كنت أعلمه قبل ذلك غيباً. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من الإحياء وغيره وقال بعضهم: أن عزيراً لما أحياه الله تعالى قال في نفسه كم لبثت قال: لبثت يوماً أو بعض يوم فلما رجع إلى منزله ولقيه أقرباؤه وحسبوا غيبته فقالوا له: بل لبثت مائة عام وهذا قول من قال: إن هذا لم يكن عزيراً النبي - عليه السلام - بل رجل آخر سوى عزير النبي - عليه السلام -].