{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } أي من جنس واحد { فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } أي سل لنا ربك { يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ } أي مما تخرج الأرض { مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا }. وقوله (بقلها) أراد به البقول كلها وقوله (وقثائها) أراد به جميع ما يخرج من الفاكهة مثل القثاء والبطيخ ونحو ذلك. وقوله { وَفُومِهَا } أي طعامها وهي الحبوب كلها. ويقال: هي الحنطة خاصة. وقال مجاهد: الفوم الخبز. وقال الفراء: فومي لنا يا جارية يعني اخبزي لنا. ويقال: الفوم هو الثوم والعرب تبدل الفاء بالثاء لقرب مخرجهما. وفي قراءة عبد الله بن مسعود { وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } فغضب عليهم موسى - عليه السلام - { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ } يعني أتستبدلون الرديء من الطعام بالذي هو خير أي بالشريف الأعلى. ويقال: معناه تسألون الدنيء من الطعام وقد أعطاكم الله الشريف منه وهو المن والسلوى، ويقال: أتختارون الدنيء الخسيس وهو الثوم والبصل على الذي هو أعلى وأشرف وهو المن والسلوى فقال الله تعالى لهم: { ٱهْبِطُواْ مِصْرًا } قرأ بعضهم بلا تنوين أي المصر الذي خرجتم منه، وهو مصر فرعون، ومن قرأ مصراً بالتنوين يعني: ادخلوا مصراً من الأمصار { فَإِنَّ لَكُم } فيه { مَّا سَأَلْتُمْ } تزرعون وتحصدون { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } قال الحسن وقتادة: جعلت عليهم الجزية يعني على ذريتهم. ويقال: جعل عليهم كد العمل، يعني أولئك القوم حتى كانوا ينقلون السرقين. { وَٱلْمَسْكَنَةُ } يعني زي الفقراء. وقال الكلبي: يعني الرجل من اليهود وإن كان غنياً يكون عليه زي الفقراء. وقوله تعالى:{ وَبَآءو بِغَضَبٍ } يعني استوجبوا الغضب { مِنَ ٱللَّهِ } قال بعضهم: أصله من الرجوع، يعني رجعوا باللعنة في أثر اللعنة. ويقال: باءوا أي احتملوا كما يقال: بوئت بهذا الذنب أي احتملته. ثم قال:{ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي ما أصابهم من الذلة والمسكنة - وهم اليهود - بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، يعني كذبوا عيسى وزكريا ويحيـى ومحمداً - عليهم وعلى جميع الأنبياء أفضل الصلاة والسلام -{ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } أي بغير جرم منهم، وهم زكريا ويحيـى. قرأ نافع (النبيين) بالهمزة وكذلك جميع ما في القرآن إلا في سورة الأحزاب: (يا أيها النبي) وقرأ الباقون: بغير همز. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
"أن رجلاً قال له: يا نبي الله فقال: لست بنبي الله ولكن نبي الله" . (والنبيين) جماعة النبي. وأما من قرأ بالهمز قال أصله من النبأ وهو الخبر لأنه أنبأ عن الله تعالى، وأما من قرأ بغير همز فأصله مهموز، ولكن قريشاً لا تهمز. وقال بعضهم: هو مأخوذ من النبأة وهو الارتفاع لأنه شرف على جميع خلقه. وقال بعضهم: النبي هو الطريق الواضح، سمي بذلك لأنه طريق الخلق إلى الله تعالى. قوله: { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ } أي ذلك الغضب على اليهود بما عصوا أي بسبب عصيانهم أمر الله تعالى فخذلهم الله تعالى حين كفروا فلو أنهم لم يعصوا الله تعالى كانوا معصومين من ذلك. { وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } يعني بقتلهم الأنبياء وركوبهم المعاصي.