التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
١١٥
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ
١١٦
فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
١١٧
إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ
١١٨
وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ
١١٩
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ
١٢٠
فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ
١٢١
ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ
١٢٢
قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ
١٢٣
-طه

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ } يعني: أمرنا آدم - عليه السلام - بترك أكل الشجرة من قبل يعني: من قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - { فَنَسِىَ } يعني: فترك أمرنا { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } أي: حفظاً لما أمر به، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: "عهدنا إلى آدم فَنَسِيَ" يعني: فترك أمرنا (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) يعني: حزماً صريماً وقال قتادة يعني: صبراً وقال السدي: مثله وقال عطية (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) أي حفظاً بما أمر به روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال عهد إلى آدم فنسي فسمي الإنسان وقال القتبي النسيان ضد الحفظ كقوله تعالى { فَإِنِّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } [الكهف: 63] والنسيان الترك كقوله: { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } وكقوله { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } وكقوله { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [البقرة: 237] { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } أي: تعظم عنا السجود { فَقُلْنَا يٰـئَادَمُ إِن هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } يعني إبليس عدو لك ولزوجك حواء فاحذرا منه { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } يعني: فتتعب ويتعبا بعمل كفيك ولا تأكل إلا كداً بعد النعمة وقال سعيد بن جبير لما هبط آدم من الجنة وكلف العمل فكان يمسح العرق عن جبينه فذلك قوله (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) وهو العرق الذي مسحه من الجبين ثم قال عز وجل { إِنَّ لَكَ أَن لا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } يعني: أن حالك ما دمت في الجنة لا تجوع ولا تعرى من الثياب { وَإِنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا } يعني: لا تعطش في الجنة { وَلاَ تَضْحَىٰ } يعني لا يصيبك الضحى وهو حر الشمس قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر (وإنك) بالكسر على معنى الابتداء وقرأ الباقون وإنك بالنصب على معنى البناء قوله عز وجل { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ قَالَ يـا ءادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } من أكل منها خلد ولم يمت { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } يعني: هل أدلك على ملك لا يفنى فهو أكل الشجرة { فَأَكَلاَ مِنْهَا } يعني: من الشجرة وقد ذكرنا تفسير الشجرة في سورة البقرة { فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا } أي ظهرت لهما عوراتهما { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } أي: عمدا يلزقان { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءادَمُ رَبَّهُ } أي: ترك أمره بأكله من الشجرة { فَغَوَىٰ } أي: أخطأ ولم يصب بأكله ما أراد وما وعد له من الخلود { ثُمَّ ٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } أي: اختاره واصطفاه بالنبوة { فَتَابَ عَلَيْهِ } يعني: تجاوز عنه وقبل توبته { وَهَدَىٰ } يعني: هداه الله تعالى للتوبة بكلمات تلقاها { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } يعني: من الجنة آدم وحواء وإبليس والحية { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى } يعني: يا ذرية آدم سيأتيكم مني الكتب والرسل خاطبه به وعنى ذريته { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ } يعني: أطاع كتبي ورسلي { فَلاَ يَضِلُّ } باتباعه إياها في الدنيا { وَلاَ يَشْقَىٰ } في الآخرة وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب فذلك قوله { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى }.