ثم قال عز وجل {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} يعني: عن القرآن والرسل ولم يؤمن وقال مقاتل: من أعرض عن الإيمان {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} يعني: معيشة ضيقة روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري أنهما قالا (معيشة ضنكا) يقول: عذاب القبر وروى أبو سلمة عن أبي هريرة "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {مَعِيشَةً ضَنكاً} قال عذاب القبر" {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ} أي: أعمى عن الحجة وقال ابن عباس وذلك حين يخرج من القبر يخرج بصيراً فإذا سيق إلى المحشر عمي قال عكرمةرحمه الله في قوله {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ} قال: عمي قلبه عن كل شيء إلا جهنم وقال الضحاك في قوله (معيشة ضنكاً) قال: الكسب الخبيث وقيل: معيشة سوء لأنه في معاصي الله وقال السدي (معيشة ضنكاً) أي: عذاب القبر حين يأتيه الملكان وقال قتادة: الضنك الضيق يقول ضنكاً في النار قوله عز وجل: {قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ} قال مجاهد: (لم حشرتني أعمى) لا حجة لي {وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} بالحجة في الدنيا ويقال (لم حشرتني أعمى) أي: أعمى العينين {وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} في الدنيا {قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا} يعني: الرسل والقرآن فنسيتها وتركت العمل بها ولم تؤمن بها {وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ} أي: تترك في النار (ويقال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها أي: تعلمت القرآن فنسيته وتركته وقال السدي: وكذلك اليوم تنسى أي: تترك في النار وتترك عن الخير) ثم قال عز وجل: {وَكَذٰلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ} يعني: هكذا نعاقب من أشرك بالله {وَلَمْ يُؤْمِن بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ} بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن {وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ} يعني وأدوم قوله عز وجل {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} يعني: أفلم يتبين لقومك {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَـٰكِنِهِمْ} يعني: يمرون على منازلهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَاتٍ} يعني: في هلاكهم لعبرات {لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ} يعني: لعبرات لذوي العقول من الناس {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} وهذا مقدم ومؤخر يقول ولولا كلمة سبقت بتأخير العذاب عن هذه الأمة إلى أجل مسمى أي: إلى يوم القيامة أي: لكان لزاماً أي: لأخذتهم بالعذاب كما أخذت من كان قبلهم من الأُمم عند التكذيب ولكن نؤجلهم إلى يوم القيامة وهو أجل مسمى وقال القتبي: معناه: ولولا أن الله عز وجل جعل الجزاء يوم القيامة وسبقت بذلك كلماته لكان العذاب ملازماً لا يفارقهم وقال: في الآية تقديم أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان العذاب لازماً.