التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ
١٢٤
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً
١٢٥
قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ
١٢٦
وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ
١٢٧
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ
١٢٨
وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى
١٢٩
-طه

بحر العلوم

ثم قال عز وجل { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } يعني: عن القرآن والرسل ولم يؤمن وقال مقاتل: من أعرض عن الإيمان { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } يعني: معيشة ضيقة روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري أنهما قالا (معيشة ضنكا) يقول: عذاب القبر وروى أبو سلمة عن أبي هريرة "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال عذاب القبر" { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } أي: أعمى عن الحجة وقال ابن عباس وذلك حين يخرج من القبر يخرج بصيراً فإذا سيق إلى المحشر عمي قال عكرمةرحمه الله في قوله { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } قال: عمي قلبه عن كل شيء إلا جهنم وقال الضحاك في قوله (معيشة ضنكاً) قال: الكسب الخبيث وقيل: معيشة سوء لأنه في معاصي الله وقال السدي (معيشة ضنكاً) أي: عذاب القبر حين يأتيه الملكان وقال قتادة: الضنك الضيق يقول ضنكاً في النار قوله عز وجل: { قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ } قال مجاهد: (لم حشرتني أعمى) لا حجة لي { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } بالحجة في الدنيا ويقال (لم حشرتني أعمى) أي: أعمى العينين { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } في الدنيا { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا } يعني: الرسل والقرآن فنسيتها وتركت العمل بها ولم تؤمن بها { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي: تترك في النار (ويقال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها أي: تعلمت القرآن فنسيته وتركته وقال السدي: وكذلك اليوم تنسى أي: تترك في النار وتترك عن الخير) ثم قال عز وجل: { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ } يعني: هكذا نعاقب من أشرك بالله { وَلَمْ يُؤْمِن بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } يعني وأدوم قوله عز وجل { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } يعني: أفلم يتبين لقومك { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } يعني: يمرون على منازلهم { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَاتٍ } يعني: في هلاكهم لعبرات { لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } يعني: لعبرات لذوي العقول من الناس { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } وهذا مقدم ومؤخر يقول ولولا كلمة سبقت بتأخير العذاب عن هذه الأمة إلى أجل مسمى أي: إلى يوم القيامة أي: لكان لزاماً أي: لأخذتهم بالعذاب كما أخذت من كان قبلهم من الأُمم عند التكذيب ولكن نؤجلهم إلى يوم القيامة وهو أجل مسمى وقال القتبي: معناه: ولولا أن الله عز وجل جعل الجزاء يوم القيامة وسبقت بذلك كلماته لكان العذاب ملازماً لا يفارقهم وقال: في الآية تقديم أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان العذاب لازماً.