التفاسير

< >
عرض

قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ
٤٥
قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ
٤٦
فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ
٤٧
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
٤٨
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ
٤٩
قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ
٥٠
قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ
٥١
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى
٥٢
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ
٥٣
كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ
٥٤
-طه

بحر العلوم

ثم قال عز وجل: { قَالاَ } أي: موسى وهارون { رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا } يعني أن يبادر بعقوبتنا يقال قد فرط منه أمر أي: قد بدر منه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أنا فرطكم على الحوض" ويقال أن يفرط علينا يعني أن يضر بنا { أَوْ أَن يَطْغَىٰ } يعني: يقتلنا قال كان هذا القول من موسى وهارون حين رجع موسى إلى مصر وأوحى إليهما فقالا عند ذلك إننا نخاف أن - يفرط علينا أو أن يطغى وقال بعضهم قد قال الله ذلك لموسى عند طور سيناء فأجابه موسى عن نفسه وعن هارون فأضاف القول إليهما جميعاً { قَالَ } الله تعالى: { لاَ تَخَافَا } أي لا تخافا عقوبة فرعون عند أداء الرسالة { إِنَّنِى مَعَكُمَا } أي معينكما { أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } أي أسمع ما يرد عليكما وأرى ما يصنع بكما { فَأْتِيَاهُ } يعني فاذهبا إلى فرعون { فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } قال الفقيه أبو الليثرحمه الله في الآية دليل أنه يجوز رواية الأخبار بالمعنى وإنما العبرة للمعنى دون اللفظ لأن الله تعالى حكى معنى واحدة بألفاظ مختلفة وقال في آية أخرى { { فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء: 16] وقال ها هنا { إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } وقال في آية أخرى: { { قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } [الأعراف:121/122] وقال في موضع { آمَنَّا بِرَبّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ } ثم قال تعالى: { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ وَلاَ تُعَذّبْهُمْ } يعني: لا تستعبدهم { قَدْ جِئْنَـٰكَ بِـئَايَةٍ مّن رَّبّكَ } يعني: باليد والعصا { وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } أي: على من طلب الحق ورغب في الإسلام قال الزجاج والسلام على من اتبع الهدى معناه أن من اتبع الهدى فقد سلم من عذاب الله وسخطه { إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ ٱلْعَذَابَ } في الآخرة بالدوام { عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } عن التوحيد والإيمان ولم يذكر في الآية أنهما أتيا فرعون لأن في الكلام دليلاً عليه حيث ذكر قول فرعون ومعناه أنهما أتيا فرعون وأديا إليه الرسالة وقالا { إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } { قَالَ } فرعون { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } ولم يقل من ربي تكبراً منه { قَالَ } موسى: { رَبُّنَا ٱلَّذِى أَعْطَىٰ كُلَّ شَىء خَلْقَهُ } يعني: شكله ويقال خلق لكل ذكر أنثى شبهه { ثُمَّ هَدَىٰ } يعني: ألهمه الأكل والشرب والجماع وقال القتبي: الإهداء أصله الإرشاد كقوله { عَسَىٰ رَبِّىۤ أَن يَهْدِيَنِى } } [القصص: 22] ثم الإرشاد مرة يكون بالدعاء ومرة بالبيان وقد ذكرناه في سورة الأعراف ومرة بالإلهام كقوله { أَعْطَىٰ كُلَّ شَىء خَلْقَهُ } أي: صورته ثُمَّ هَدَى أي ألهمه إتيان الاناث ويقال ألهمه طلب المرعي وتوقى المهالك وقال الحسن أعطى كل شيء من خلق ما يصلح له ثم هداه أن موسى أخبره بالبعث والجزاء وأمر الآخرة وقال فرعون: { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } يعني: ما حال القرون الماضية وما شأنها { قَالَ } موسى { عِلْمُهَا عِندَ رَبّى فِى كِتَـٰبٍ } يعني: في اللوح المحفوظ { لاَّ يَضِلُّ رَبّى } يعني لا يخفى على ربي { وَلاَ يَنسَى } ما كان من أمرهم وقال مجاهد لا يضل ربي أي لا يخفى على ربي شيء واحد وقال السدي أي لا يغفل ولا يترك وكان الحسن يقرأ لا يضل بضم الياء يعني لا يضله الله يعني به الكتاب وإلى هذا الموضع حكاية كلام موسى ثم إن الله تبارك وتعالى قال لمشركي مكة { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } يعني: موضع القرار وهو الرب الذي ذكر موسى لفرعون ودعاه إلى عبادته قرأ حمزة والكسائي وعاصم مهداً والباقون مهاداً أي: فراشاً وبساطاً قال أبو عبيد المهد الفعل يقال مهدت مهداً والمهاد اسم -الموضع { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } يعني: حصل لكم فيها طرقاً { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } يعني: المطر { فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً } يعني: أنبتنا بالمطر أصنافاً وألواناً { مّن نَّبَـٰتٍ شَتَّىٰ } مختلف ألوانه { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَـٰمَكُمْ } اللفظ لفظ الأمر ومعناه معنى الخبر يعني لتأكلوا منه وترعوا أنعامكم { إِنَّ فِى ذَلِكَ } يعني إن في اختلاف ألوانه { لآياتٍ } أي: لعبرات { لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } يعني: لذوي العقول من الناس.