التفاسير

< >
عرض

لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ
١٠٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
١٠١
لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ
١٠٢
لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
١٠٣
يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ
١٠٤
-الأنبياء

بحر العلوم

{ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } يعني: في النار صوتهم مثل نهيق الحمار { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } يعني: عيسى وعزيراً في الجنة لا يسمعون زفيرهم ويقال يعني أن أهل النار لا يسمعون في النار الصوت وذلك حين يقال لهم { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } فصاروا صماً بكماً عمياً ثم قال عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } يعني الذين وجبت لهم منا الجنة يعني: عيسى وعزيراً { أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } يعني: منجون من النار قوله: { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } يعني: صوت جهنم { وَهُمْ فِيمَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ } يعني لهم ما تمنت أنفسهم في الجنة { خَـٰلِدُونَ } يعني: دائمين { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } قال ابن عباس رضي الله عنه: يعني النفخة الأخيرة دليل قوله تعالى { { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَٰخِرِينَ } [النمل: 87] وقال الحسن: حين يؤمر بالعبد إلى النار وقال مقاتل: إذا ذبح الموت بين الجنة والنار فيأمن أهل الجنة من الموت ويفزع أهل النار فيفزعون حين أيسوا من الموت وقال الكلبي وسعيد بن جبير والضحاك إنه حين وضع الطبق على النار بعد ما أخرج منها من أخرج فيفزعوا لذلك فزعاً لم يفزعوا لشيء قط وذلك الفزع الأكبر وقال مقاتل وابن شريح: حين يذبح الموت على هيأة كبش أملح على الأعراف والفريقان ينظرون فينادي يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت وقال ذو النون المصري: هو القطيعة والفراق ويقال: إنه الموت لأن أول هول يراه الإنسان من أمر الآخرة هو الموت ويقال الفزع الأكبر عند قوله { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [يس: 59] ويقال: هذا حين دعوا إلى الحساب ويقال عند الصراط ثم قال تعالى: { وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } يعني: يوم القيامة لأهل الجنة قال مقاتل: يعني الملائكة الذين كتبوا أعمال بني آدم حين خرجوا من قبورهم فيقولون للمؤمنين { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } (في الجنة وقال الكلبي: تتلقاهم الملائكة عند باب الجنة ويبشرونهم بذلك ويقولون هذا يومكم الذي كنتم توعدون) في الدنيا قوله عز وجل: { يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء } يعني: واذكر يوم نطوي السماء { كَطَىّ ٱلسّجِلّ لِلْكُتُبِ }، قال السدي: السجل ملك موكل بالصحف فإذا مات الإنسان دفع كتابه إلى السجل فطواه ويقال السجل الصحيفة ويقال: السجل الكاتب وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: السجل كان كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الله تعالى أنه يطوي السماء يوم القيامة كما يطوي السجل الكتاب قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص للكتب بلفظ الجماعة وقرأ الباقون للكتاب بلفظ الواحد وقرأ أبو حفص المدني (تُطْوَى) السماء بالتاء والضم على فعل ما لم يسم فاعله وقراءة العامة (نطْوِيْ السَّمَاءَ) بالنون وقرأ بعضهم السجل بجزم الجيم والتخفيف وقراءة العامة بالتشديد وبكسر الجيم ثم استأنف الكلام فقال تعالى: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } يعني: خلقهم في الدنيا يعيدهم في الآخرة ويقال كما بدأناهم شقياً وسعيداً في الدنيا فكذلك يكونون في الآخرة ويقال كما بدأنا أول خلق من نطفة في الدنيا نعيده وأن تمطر السماء أربعين يوماً كمني الرجال فينبتون فيه { وَعْداً عَلَيْنَا } يعني: وعدنا البعث صدقاً وحقاً لا خلاف فيه كقوله: { { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [السجدة:2] { وَعْداً } صار نصباً للمصدر { إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ } بهم أي: باعثين بعد الموت وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنكم تحشرون يوم القيامة عراة غرلا بهماً ثم قال: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ }"
.