التفاسير

< >
عرض

بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ
٤٤
قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ
٤٥
وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٤٦
وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
٤٧
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ
٤٨
ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
٤٩
وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٠
-الأنبياء

بحر العلوم

ثم قال عز وجل: { بَلْ مَتَّعْنَا هَـؤُلاءِ } يعني: أجلناهم وأمهلناهم { وَءابَاءهُمْ } من قبلهم { حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } يعني: الأجل { أَفَلاَ يَرَوْنَ } يعني: أفلا ينظر أهل مكة { أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا } أي: نأخذ ونفتح الأرض ننقصها { مِنْ أَطْرَافِهَا } ما حول مكة أي ننقصها بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من نواحيها ويقال يعني نقبض أرواح أشراف أهل مكة ورؤسائها وقال الحسن: هو ظهور المسلمين على المشركين وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هو موت فقهائها وذهاب خيارها وقال الكلبي: يعني: السبي والقتل والخراب ثم قال تعالى: { أَفَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } يعني: أن الله تعالى هو الغالب وهم المغلوبون ثم قال عز وجل { قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْىِ } يعني: بما نزل من القرآن { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ } يعني: أن من يتصامم لا يسمع الدعاء إذا ما يخوفون قرأ ابن عامر ولا تُسمع الصمم الدعاء بالتاء بلفظ المخاطبة ومعناه أن لا تقدر أن تسمع الصم الدعاء إِذا ما ينذرون يعني: إذا خوفوا والباقون ولا يسمع بالياء على وجه الحكاية ثم أخبر عن قلة صبرهم عند العذاب فقال: { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مّنْ عَذَابِ رَبّكَ } يعني: من أصابتهم عقوبة من عذاب ربك ويقال: لئن أصابهم العذاب أي طرف من العذاب ويقال أدنى شيء من عذاب ربك { لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } أي: ظلمنا أنفسنا بترك الطاعة لله { وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ ٱلْقِسْطَ } يعني: ميزان العدل { لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعني: في يوم القيامة قال ابن عباس هو ميزان له كفتان (وله لسانان يوزن به الأعمال) الحسنات والسيئات فيجاء بالحسنات في أحسن صورة ويجاء بالسيئات في أقبح صورة { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } يعني: لا ينقص من ثواب أعمالهم شيئاً { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ } يعني: وزن حبة { مّنْ خَرْدَلٍ } قرأ نافع مثقال حبة بضم اللام وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالرفع فمعناه وإن حصل للعبد مثقال حبة من خردل ومن قرأ بالنصب معناه وإن كان العمل (مِثْقَالَ حَبَّة) يصير خبر كان { أَتَيْنَا بِهَا } يعني: جئنا بها وأحضرناها وقرأ بعضهم (آتَيْنَا) بالمد يعني: جازينا بها وأعطينا بها وقراءة العامة بغير مد ثم قال: { وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ } يعني: مجازين قوله عز وجل { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ } يقول النصرة والنجاة فنصر موسى وهارون وأهلك عدوهما فرعون { وَضِيَاءً } يعني: الذي أنزل عليهما من الحلال والحرام في الكتاب قرأ ابن كثير وضئَاءً بهمزتين والباقون بهمزة واحدة { وَذِكْراً } يعني: عظة { لّلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الكفر والفواحش والكبائر وقال مجاهد: الفرقان الكتاب وقال السدي: الفرقان والنصر والضياء النور وذكراً قال التوراة وقال مقاتل: الفرقان والتوراة وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان (ضِيَاءً وَذِكْراً) يعني: أعطيناهما التوراة نوراً وعظة ويروى عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ (الَّذين استجابوا) بالواو يعني (والذين) { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ ضِيَاءً } بغير واو وقال اجعلوا هذه الواو عند قوله: { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ } ثم قال عز وجل: { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } يعني: يعملون لربهم في غيب عنه والله تعالى لا يغيب عنه شيء { وَهُمْ مّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } يعني: من عذاب الساعة خائفون قوله عز وجل { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } يعني: هذا القرآن ذكر مبارك يعني؛ فيه السعادة والمغفرة للذنوب والنجاة لمن آمن به { أَنزَلْنَـٰهُ } لكم { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } يعني أفأنتم للقرآن مكذبون جاحدون.