التفاسير

< >
عرض

وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٣٦
لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٧
-الحج

بحر العلوم

قوله عز وجل: { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ } قرأ بعضهم (والبُدُن) بضم الدال والباء وقراءة العامة بسكون الدال والمعنى واحد { مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } يعني: جعلنا البدن من مناسك الحج { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } يعني: في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } يعني [إذا نحرتم فاذكروا اسم الله عليها صواف أي] قائمة قد صفت قوائمها والآية تدل على أن الإبل تنحر قائمة وروي عن عبد الله بن عمر أنه أمر برجل قد أناخ بعيره لينحره فقال له: انحره قائماً فإنه صفة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - وروي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقرآن (فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِنَ) والصوافن التي تقوم على ثلاثة قوائم إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فهو الصافن وجماعته صوافن وقال مجاهد من قرأ صوافن قال قائمة معقولة من قرأها صواف قال يصف بين يديها وروي عن زيد بن أسلم أنه قرأ: صوافي بالياء منتصبة ويقال خالصة من الشرك وروي عن الحسن مثله وقال: خالصة لله تعالى وهكذا روى عنهما أبو عبيدة وحكى القتبي عن الحسن قال: كان يقرأ (صواف) مثل قاض وغاز أي: خالصة لله تعالى يعني: لا تشرك به في حال التسمية على نحرها ثم قال: { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يعني: إذا ضربت بجنبيها على الأرض بعد نحرها يقال: وجب الحائط إذا سقط ووجب القلب إذا تحرك من الفزع ويقال: وجب البيع [إذا أبرم] { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } فالقانع الراضي الذي يقنع بما أعطي وهو السائل والمعتر الذي يتعرض للمسألة ولا يتكلم ويقال القانع المتعفف الذي لا يسأل ويقنع بما أرسلت إليه والمعتر السائل الذي يعتريك للسؤال وقال الزهري: السنة أن يأكل الرجل من لحم أضحيته قبل أن يتصدق وروي عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليأكل أحدكم من لحم أضحيته" وروى منصور عن إبراهيم قال: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين بقوله (فَكُلُواْ مِنْهَا فَمَن شَاء أَكَلَ وَمَن شَاء لَمْ يَأْكُلُ) قال الفقيه أبو الليثرحمه الله والأفضل أن يتصدق بثلثه على المساكين ويعطي ثلثه للجيران والقرابة أغنياء كانوا أو فقراء ويمسك لنفسه ثلثه وروي عن ابن مسعود نحو هذا وروي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن القانع والمعتر فقال: القانع الذي يقنع بما أعطي والمعتر الذي يعتري بالأبواب قال: أما سمعت قول زهير:

عَلَى مُكْثريهمُ حق من يَعْتريهمُ وعنْدَ المقلينَ السماحة والبذل

وقال مجاهد:القانع جارك وإن كان غنياً ثم قال تعالى: { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ } أي: ذللناها لكم وهي البدن { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يعني: لكي تشكروا رب النعمة قوله عز وجل: { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا } وذلك أن - أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن عند زمزم أخذوا دماءها ولطخوها حول الكعبة وعلقوا لحومها بالبيت وقالوا اللهم تقبل منا فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فنزل { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا } يعني: لن يصل إلى الله عز وجل لحومها ولا دماؤها { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } أي يصل إليه التقوى من أعمالكم الزاكية والنية الخالصة قرأ الحضرمي (لَن تَنَالَ اللَّه) بالتاء لأن لفظ اللحوم - مؤنثة ولكن تناله بالتاء لأن لفظ التقوى مؤنث وقراءة العامة بالياء وانصرف إلى المعنى لأن الفعل مقدم ثم قال: { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } يعني: ذلَّلها لكُم { لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ } يقول لتعظموا الله { عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } يعني: أرشدكم لأمر دينه { وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } بالجنة فمن فعل ما ذكر في هذه الآيات فهو محسن ويقال: المحسن الذي يحسن الذبيحة فيختار بغير عيب.