التفاسير

< >
عرض

فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ
٥٤
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ
٥٥
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ
٥٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ
٥٨
وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ
٥٩
وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
٦٠
أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
٦١
-المؤمنون

بحر العلوم

قوله عز وجل: { فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ } يعني اتركهم في جهالتهم { حَتَّىٰ حِينٍ } يعني إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب { أَيَحْسَبُونَ } يعني أيظنون وهم أهل الفرق { أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ } يعني أن الذي نزيدهم به { مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } في الدنيا { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } يعني هو خير لهم في الآخرة قرأ بعضهم يُسَارَعُ بالياء ونصب الراء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقراءة العامة نُسَارِع بالنون وكسر الراء يعني يظنون أنا نسارع لهم في الخيرات بزيادة المال والولد بل هو استدراج لهم وروي في الخبر أن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام أيفرح عبدي أن أبسط له في الدنيا وهو أبعد له مني ويجزع عبدي المؤمن أن أقبض منه الدنيا وهو أقرب له مني ثم قال { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } وقد تم الكلام يعني أيظنون أن ذلك خير لهم في الدنيا ثم قال نسارع لهم في الخيرات { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } أن ذلك فتنة لهم ويقال إنما نمدهم به من مال وبنين وقد تم الكلام يعني أيظنون أن ذلك خير لهم في الدنيا ثم قال عز وجل نسارع لهم في الخيرات يعني نبادرهم في الطاعات وهو خير لهم أي في الآخرة بل لا يشعرون أن زيادة المال والولد أن ذلك مكر بهم وشر لهم في الآخرة ثم ذكر المؤمنين فقال عز وجل { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ } يعني: خائفين من عذابه ويقال هذا عطف على قوله { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ وَٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ } ثم قال { وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يعني: بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن يصدقون قوله { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } يعني: لا يشركون معه غيرهم ولكنهم يوحدون ربهم ويقال: بربهم لا يشركون وهو أن يقول لولا فلان ما وجدت هذا ثم قال عز وجل { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ } يعني: يعطون ما أعطوا من الصدقة والخير { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } يعني: خائفة وروى سالم بن معول عن عبد الرحمن بن سعيد الهمداني "أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ويزنون قال لا يا بنت أبي بكر ولكنهم هم الذين يصومون ويتصدقون ويصلون" وروي عن أبي بكر بن خلف أنه قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقلنا كيف تقرئين يا أم المؤمنين { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ } قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ } فقلت يا نبي الله هو الرجل الذي يسرق ويشرب الخمر قال "لا يا بنت أبي بكر هو الرجل الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه" وقال الزجاج: من قرأ يؤتون ما آتوا معناه يعطون ما أعطوا ويخافون أن لا يقبل منهم ومن قرأ يأتون ما أتوا أي: يعملون من الخيرات ما يعملون ويخافون مع اجتهادهم أنهم مقصرون ثم قال تعالى: { أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ } يعني: لأنهم إلى ربهم راجعون ومعناه يعملون ويوقنون أنهم يبعثون بعد الموت قوله عز وجل: { أُوْلَـئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } يعني: يبادرون في الطاعات من الأعمال الصالحة { وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ } يعني: هم لها عاملون يعني الخيرات وقال الزجاج: فيه قولان أحدهما: معناه هم إليها سابقون كقوله عز وجل: { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } يعني: إليها ويجوز هم لها سابقون أي لأجلها أي: من أجل اكتسابها كقولك: أنا أكرم فلاناً لك أي: من أجلك.