التفاسير

< >
عرض

وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون
٥٢
وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٥٣
قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٥٤
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٥٥
-النور

بحر العلوم

ثم قال عز وجل: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني: يطع الله في الفرائض ويطع الرسول في السنن { وَيَخْشَ ٱللَّهَ } فيما مضى { وَيَتَّقْهِ } فيما يستقبل { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون } أي: الناجون وروي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيوحده ورسوله فيصدقه بالرسالة ويخشى الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بقي من عمره فأولئك هم الفائزون يعني: الناجون من العذاب آمنون عند سكرات الموت قال: فلما نزلت هذه الآية أقبل عثمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله إن شئت لأخرجن من أرضي ولأدفعنها إليه وحلف على ذلك فمدحه الله عز وجل بذلك فقال عز وجل: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } يعني: حلفوا بالله وإذا حلفوا بالله كان ذلك جهد اليمين { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } من الأموال قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم: { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ } أي: لا تحلفوا { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } يعني هذه منكم طاعة معروفة لا طاعة نفاق فكأن فيه مضمراً لأن بعض الناس منافقون فأخبر أن هذه طاعة ليس فيها نفاق ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يعني: في السر والعلانية ثم قال عز وجل: { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } يعني: أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا الرسول في السنن { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني: أعرضوا عن الطاعة لله والرسول { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ } يعني: ما أمر بتبليغ الرسالة وليس عليه من وزركم شيء { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ } يعني: ما أمرتم والإثم عليكم وإذا تركتم الإجابة { وَإِن تُطِيعُوهُ } يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - { تَهْتَدُواْ } من الضلالة ثم قال { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } وفي الآية مضمر فكأنه يقول: وإن تعصوه وما على الرسول إلا البلاغ المبين يعني: ليس عليه إلا التبليغ قوله عز وجل: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } وذلك أن كفار مكة لما صَدُّوا المسلمين عن مكة عام الحديبية فقال المسلمون: لو فتح الله مكة ودخلناها آمنين فنزل قوله: { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ } يعني: لينزلنهم في أرض مكة { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني: من قبل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من بني إسرائيل وغيرهم { وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ } يعني: ليظهرن لهم { دِينَهُمُ } الإسلام { ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } من الكفار { يَعْبُدُونَنِى } يعني: لكي يعبدوني { لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً } ويقال: معناه يعبدونني لا يشركون بي شيئاً أي: يظهر عبادة الله تعالى ويبطل الشرك وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة زماناً نحواً من عشر سنين وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى إذا أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة أمرهم الله تعالى بالقتال فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح فقال رجل من أصحابه يا رسول الله نحن أبداً خائفون هل يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يكون إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملإِ العظيم محتبياً ليست فيه حديدة" ونزلت هذه الآية { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } الآية ويقال: نزلت في شأن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ليستخلفنهم يعني: يكونوا خلفاء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحداً بعد واحد ثم قال: { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } يعني: بعد الأمن والتمكين { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } أي: العاصين قرأ عاصم في رواية أبي بكر كما استخلف بضم التاء على فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بنصب التاء لأنه سبق ذكر الله تعالى وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر (وليبدلْنهم) بالتخفيف وقرأ الباقون بتشديد الدال من بدل يبدل والأول من أبدل يُبدل.