التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً
٢١
يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً
٢٢
وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً
٢٣
أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً
٢٤
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً
٢٥
ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً
٢٦
-الفرقان

بحر العلوم

قوله عز وجل: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } يعني: لا يخافون البعث بعد الموت ويقال لا يرجون الجنة والمغفرة وهم كفار أهل مكة { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } يعني: هلا أنزل علينا الملائكة فيخبروننا بأنك رسول الله إلينا { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } فيخبرنا بأنك مرسل قال الله تعالى: { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ } يعني: تعظموا في أنفسهم وأعرضوا عن الإيمان ويقال: لقد استكبروا في أنفسهم يعني: وضعوا لأنفسهم قدراً ومنزلة حيث أرادوا لأنفسهم الرسل من الملائكة عليهم السلام ورؤية الرب عز وجل: { وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } يعني: أبوا إباءً كثيراً ويقال: اجترءوا على الله اجتراء كثيراً وقال أهل اللغة العاتي الذي لا ينفعه الوعظ والنصيحة ثم أخبر متى يرون الملائكة فقال عز وجل: { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـئِكَةَ } يعني: يوم القيامة { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ } يعني: للمشركين وتكون البشارة للمؤمنين ثم قال: { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } يعني: تقول لهم الملائكة: حراماً محرماً أي: تكون لهم البشرى يومئذ بما يبشر به المتقون وإنما قيل للحرام حجر لأنه حجر عليه وقال مجاهد: تقول الملائكة: حراماً محرماً أن يدخلوا الجنة وقال الحسن وقتادة: وهي كلمة كانت العرب تقولها كان الرجل إذا نزلت به الشدة قال: حجراً محجوراً أي: حراماً محرماً ويقال إن قريشاً كانوا إذا استقبلهم أحد كانوا يقولون له حاجورا حاجورا حتى يعرف أنهم من الحرم فلا يضرونهم وأخبر أنهم كانوا يقولون ذلك ولا ينفعهم ويقال: إن المشركين في الشهر الحرام إذا استقبلهم أحد يقولون حجراً محجوراً ويريدون أن يذكروه أنه في الشهر الحرام وذلك القول لا ينفعهم يوم القيامة وقرأ الحسن (حجراً) بضم الحاء وقراءة العامة بكسر الحاء { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } قال الكلبي يعني: عمدنا إلى ما عملوا من عمل لغير الله تعالى ويقال: قصدنا إلى ما عملوا من عمل ومعناه نظرنا في أعمالهم ولم نجد فيها خيراً فأبطلناها ولم نجعل لها ثواباً فذلك قوله تعالى: { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً } قال الضحاك: هو الغبار ما لا يستطاع جمعه ولا أخذه بيد وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهباء المنثور الذي تراه في شعاع الشمس في الكوة وهذا قول عكرمة والكلبي وقال قتادة: هو ما ذرت الريح من حطام الشجر ويقال الغبار الذي يسطع من حوافر الدواب ثم قال عز وجل: { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } يعني: أفضل منزلاً { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } (يعني: مرجعاً ومجلساً وروي عن الأعمش عن إبراهيم في قوله: (خير مستقراً وأحسن مقيلاً) يعني: قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس إلى مقدار نصف النهار فيقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار وروي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار عنيا بذلك يوم القيامة ولأن مقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة وإنما أراد بتلك القيلولة القرار لا النوم لأنه لا يكون في الجنة نوم ولا في النار نوم قوله عز وجل: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاءُ } قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تشقَّق بتشديد الشين لأن أصله يتشقق فأدغم إحدى التائين في الشين وقرأ الباقون بالتخفيف وهذا مثل الإختلاق في قوله (تسألون) فقال { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاءُ بِٱلْغَمَـٰمِ } يعني: الغمام والغمام هو شيء مثل السحاب الأبيض فوق سبع سموات كما روي في الخبر أن دعوة المظلوم ترفع فوق الغمام يعني: تشقق السماء وتظهر بالغمام { وَنُزّلَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ تَنزِيلاً } قرأ ابن كثير وننزل الملائكة بنونين ونصب الهاء ومعناه: أن الله تعالى يقول: ننزل الملائكة وقرأ الباقون (ونزل) على ما فعل ما لم يسم فاعله معناه: أن الله تعالى ينزل ملائكة السموات وروي في الخبر أنه تشقق سماء الدنيا فينزل ملائكة سماء الدنيا بمثلَيْ من في الأرض من الجن والإنس ويقول لهم الخلائق: أفيكم ربنا يعني: هل جاء أمر ربنا بالحساب فيقول: لا وسوف يأتي ثم تنزل ملائكة السماء الثانية بمثلي من في الأرض من الملائكة والإنس والجن ثم تنزل ملائكة كل سماء على هذا التضعيف حتى تنزل ملائكة سبع سموات فيظهر بالغمام وهو كالسحاب الأبيض فوق سبع سموات ثم ينزل بالأمر بالحساب فذلك قوله: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاء بِٱلْغَمَـٰمِ وَنُزّلَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ تَنزِيلاً } ويقال: الغمام الذي قال في سورة البقرة { فِي ظُلَلٍ مّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ } [البقرة: 210] ثم قال عز وجل: { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } وفي الآية تقديم ومعناه الملك يومئذ الحق للرحمن الحق صفة الملك والمعنى الملك الذي هو الملك حقاً ملك الرحمن لأنه لا يدعي الملك يومئذ أحد ويقال الحق يومئذ الملك الخالص ويقال: يعني: الملك الصدق ثم قال تعالى: { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ عَسِيراً } يعني: شديداً وفي الآية دليل أن ذلك اليوم يكون على المؤمنين يسيراً وهذا كما قال في آية أخرى { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } [المدثر: 10].