التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً
٢٧
يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً
٢٨
لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً
٢٩
وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً
٣٠
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
٣١
-الفرقان

بحر العلوم

قوله عز وجل: { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } يعني: عقبة بن أبي معيط وذلك أن عقبة (كان لا يقدم من سفر) إلا صنع طعاماً وكان يدعو إلى الطعام من أهل مكة من أحب وأراد وكان يكثر مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعجبه حديثه فقدم ذات يوم من سفره وصنع طعاماً ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طعامه فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم الطعام إليه فأبى أن يأكل وقال ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وكان عندهم من العار أن يخرج أحدهم قبل أن يأكل (من الطعام شيئاً فألح عليه أن يأكل) فلم يأكل فشهد بذلك عقبة فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من طعامه وكان أبيُّ بن خلف الجمحي غائباً وكان خليله فلما قدم أخبر بذلك فأتاه فقال صبوت يا عقبة فقال لا والله ما صبوت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت فطعم فقال له: ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتشتمه وتكذبه ففعل ذلك فنزلت هذه الآية { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ } يعني: عقبة على يديه يعني: على أنامله وروي عن أنس بن مالك أنه قال يعض عقبة بن أبي معيط على يديه يوم القيامة يأكل لحم يديه حتى يبلغ العضد من الندامة وهو { يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } يعني: اتخذت طريق الهدى وكنت معه على الإسلام قوله عز وجل: { يٰوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني: أبيَّ بن خلف وقال إنما قال فلاناً ولم يذكر اسمه لحقارته { لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ } أي: عن الإيمان { بَعْدَ إِذْ جَاءنِى } أي: حين جاءني ويقال إنه لم يذكر اسمه لأنه دخل في جميع الظالمين لأن مَنْ صَنَع مِثْلَ هَذَا الصَّنِيع يكون جزاؤه هذا وقتل عقبة يوم بدر صبراً وقتل أبيُّ بن خلف يوم أحد ويقال: { لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني: الشيطان بدليل قوله عز وجل: { وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً } يعني: يتبرأ منه يوم القيامة ونزل فيه { ٱلأَخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [الزخرف: 67] ثم قال عز وجل: { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً } يعني: متروكاً لا يؤمنون به ولا يعملون بما فيه وقال القتبي يعني: جعلوه كالهذيان ويقال: فلان يهجر في منامه أي يهذب وقال مجاهد: يهجرون منه بالقول يعني يقولون فيه بالقبيح فبين الشكاية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرب عز وجل ثم إن الله عز وجل عزاه وأخبره أن الرسل من قبله كانوا يتأذون بقومهم فذلك قوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } يعني: من المشركين فيهجرون الكتاب ثم قال: { وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } يعني: هادياً إلى دينه من كان أهلاً لذلك ويقال وكفى بربك حافظاً على الدين ونصيراً أي: مانعاً ويقال: وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً يعني: فرعوناً كما جعلنا أبا جهل فرعونك ويقال سلطنا على كل نبي متكبراً ليتكبر عليه ويكذبه ويؤذيه وروي في الخبر لو أن مؤمناً ارتقى على ذروة جبل فقيض الله تعالى إليه منافقاً يؤذيه فيؤجر عليه { وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِياً } يعني: اكتف بربك واصبر على أذاهم، صار هادياً ونصيراً نصباً على الحال أي: وكفى بربك في حال الهداية والنصرة نصيراً، ويقال: الباء زائدة للصلة ومعناه: كفى بربك هادياً إلى دينه ونصيراً.