ثم قال عز وجل: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } يعني: قربت الجنة للمتقين الذين يتقون الشرك والفواحش يعني: أن المتقين قربوا من الجنة ثم قال: { وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } يعني: أظهرت الجحيم وكشفت غطاءها للكافرين ويقال: يؤتى بها في سبعين ألف زمام { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي: يقال للكفار أين معبودكم الذين كنتم تعبدون من دون الله { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } يعني: هل يمنعونكم من العذاب { أَوْ يَنتَصِرُونَ } يعني: هل يمتنعون من العذاب فاعترفوا أنهم لا ينصرونهم ولا ينتصرون فأمر بهم إلى النار ويقال أينما كنتم تعبدون من دون الله يعني الشياطين لأنهم أطاعوها في المعصية فكأنهم عبدوها قوله عز وجل: { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } يعني: جمعوا فيها هم والغاوون ويقال: فكبكبوا فيها فقدموا من النار هم والغاوون يعني: الكفار والآلهة والشياطين الذين أغووا بني آدم وهذا قول مقاتل ويقال: فكبكبوا فيها يعني: ألقي بعضهم على بعض وقال القتبي: الأصل كببوا أي ألقوا على رؤوسهم فيها فأبدل مكان إحدى الباءين كاف وقال الزجاج هو تكرير الانكباب لأنه إذا ألقي ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر فيها ويقال جمعوا فيها ومنه حديث جبريل عليه السلام أنه ينزل في كبكبة من الملائكة يعني: جماعة من الملائكة عليهم السلام ثم قال عز وجل: { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } يعني: جمعوا فيها جميعاً { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } (يعني: الكفار والأصنام ويقال: الكفار والشياطين ويقال: الرؤساء والأتباع ومعناه: قالوا وهم يختصمون) فيها على ما معنى التقديم { تَٱللَّهِ } يعني: والله { إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } يعني: في خطأ بين { إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يعني: نطيعكم كما يطيع المؤمنون أمر الله عز وجل { وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني: ما صرفنا عن الإيمان إلا الشياطين ويقال: رؤساؤنا ويقال: آباؤنا المشركون { فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ } يعني: حيث يرون الأنبياء عليهم السلام يشفعون للمؤمنين والملائكة عليهم السلام يشفعون ولا يشفع أحد للكفار فيقولون ليس أحد يشفع لنا { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } يعني: قريب يهمه أمرنا قوله عز وجل { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } يعني: رجعة إلى الدنيا { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني: من المصدقين على دين الإسلام { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } يعني: لعبرة لمن يعبد غير الله ليعلم أنه يتبرأ منه في الآخرة ولا ينفعه { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } يعني: الذين جمعوا في النار ولم يكونوا مؤمنين { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } بالنقمة لمن عبد غيره { ٱلرَّحِيمُ } بالمؤمنين قوله عز وجل: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } يعني: نوحاً عليه السلام وحده ويقال جميع الأنبياء عليهم السلام لأن نوحاً عليه السلام دعاهم إلى الإيمان بجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام فلما كذبوه فقد كذبوا جميع الرسل { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ } يعني: نبيهم سماه أخوهم لأنه كان منهم وابن أبيهم { أَلاَ تَتَّقُونَ } يعني ألا تخافون الله تعالى فتوحدوه { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } فيما بينكم وبين ربكم وجعلني الله عز وجل أميناً في أداء الرسالة إليكم ويقال: إنه كان أميناً فيهم قبل أن يبعث { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي: خافوا الله واتبعوني فيما أمركم به { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } يعني: على الإيمان (مِنْ أَجْرٍ) أيِّ أجر { إِنْ أَجْرِىَ } يعني: ما ثوابي { إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } وقد ذكرناه.