التفاسير

< >
عرض

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
٢٢
إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
٢٣
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ
٢٤
أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
٢٥
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ
٢٦
-النمل

بحر العلوم

قوله عز وجل: { فَمَكَثَ غَيْرُ بَعِيدٍ } قرأ عاصم بنصب الكاف وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان ومعناهما واحد يعني: لم يلبث إلا قليلاً ويقال لم يظل الوقت حتى جاء الهدهد { فَقَالَ أَحَطتُ } وفي الآية مضمر ومعناه فمكث غير بعيد أن جاءه الهدهد فقال له سليمان: أين كنت فخر له ساجداً وقال أحطت { بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } يعني: علمت ما لم تعلم وجئتك بخبر لم تكن تعلمه ولم يخبرك عنه أحد ثم أخبره فقال: { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } فإن قيل كيف يجوز أن يقال أن سليمان لم يعلم به وكانت أرض سبأ قريبة منه وهناك ملك لم يعلم به سليمان قيل له علم به سليمان ولكنه لم يعلم أنهم يسجدون للشمس ويقال أنه علم بها ولكنه لم يعلم أن ملكها قد بلغ هذا المبلغ وعلم أنهم أهل الضلالة والإحاطة هي العلم بالأشياء بما فيها وجهتها كما قال: { وجئتك من سبإٍ } يعني: من أرض سبأ وهي مدينة باليمن بنبأ يقيني يعني: بخبر صدق لا شك فيه ويقال: بخبر عجيب قرأ ابن كثير وأبو عمرو سبأَ بالنصب بغير تنوين وقرأ الباقون بالكسر والتنوين فمن قرأ بالنصب جعله اسم مدينة وهي مؤنثة لا تنصرف ومن قرأ بالكسر والتنوين جعله اسم الرجل ويقال: جعله اسم مكان فقال له سليمان: وما ذلك الخبر فقال: { إِنّى وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } يعني تملك أرض سبأ { وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء } يعني: أعطيت علم ما في بلادها ويقال من كل صنف من الأموال والجنود وأنواع الخير مما يعطى الملوك { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } يعني: سريراً كبيراً أعظم من سريرك ويقال: كان طول سريرها ثمانون ذراعاً في ثمانين مرصعاً بالذهب والدر والياقوت وقوائمه من اللؤلؤ والياقوت واسمها بلقيس قال مقاتل: كانت أمها من الجن ويقال ولها عرش عظيم أي: شديد قوله عز وجل: { وَجَدتُّهَا } يعني: رأيتها { وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ } يعني: يعبدون الشمس { مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } الخبيثة { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } يعني: طريق الهدى ومعناه: صدهم الشيطان عن الإسلام فهم لا يهتدون يعني لا يعرفون الدين قوله عز وجل: { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } قرأ الكسائي ألا بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد فمن قرأ بالتخفيف فمعناه: أن الهدهد قال عند ذلك أنْ لاَ تسجدوا لله؟ وقال مقاتل: هذا قول سليمان قال لقومه: ألا يسجدوا (ويقال: هذا كلام الله ألا يسجدوا لله) وهذا من الاختصار فكأنه قال: ألا يا هؤلاء اسجدوا لله ومن قرأ بالتشديد فمعناه فصدهم عن السبيل أن لا يسجدوا لله يعني: لأن لا يسجدوا ويقال: معناه: وزين لهم الشيطان أعمالهم لأن لا يسجدوا وإذا قرىء بالتخفيف فهو موضع السجدة وإذا قرىء بالتشديد فليس بموضع سجدة في الوجهين جميعاً وهذا القول أحوط { ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْء } يعني المخبئات { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وٱلأرْضِ } مثل الثلج والمطر وفي الأرض مثل النبات والأشجار والكنوز والموتى ويقال: الذي يظهر سر أهل السموات والأرض ويعلنها فذلك قوله تعالى: { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } ثم قال عز وجل: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } أي: الذي يعلم ذلك قرأ عاصم والكسائي في رواية حفص ما تخفون وما تعلنون بالتاء على معنى المخاطبة لهم وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر لهم.