التفاسير

< >
عرض

قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٦٩
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
٧٠
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٧١
قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ
٧٢
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٤
وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٧٥
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٧٦
وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ
٧٧
إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ
٧٨
فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ
٧٩
إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ
٨٠
وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ
٨١
-النمل

بحر العلوم

قوله عز وجل: { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ } يعني: فاعتبروا { كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } يعني: آخر أمر المشركين { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } إن لم يؤمنوا بل ويقال ولا تحزن عليهم أي: على تكذيبهم وإعراضهم عنك { وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ } يعني: لا يضيق صدرك { مّمَّا يَمْكُرُونَ } يعني: بما يقولون من التكذيب ويقال: ولا يضيق قلبك بمكرهم { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } أي: وعد العذاب { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن العذاب نازل بالمكذب ويقال: ولا تكن في ضيق مما يمكرون بقولهم فهذا دأبنا ودأبك أيام الموسم وهم الخراصون فكانوا يأمرون أهل الموسم بأن لا يسمعوا كلامه ثم قال عز وجل: { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } يعني: قرب وحضر لكم قال القتبي أي تبعكم واللام زائدة فكأنه قال: ردفكم قال: وقيل في التفسير: دنا منكم { بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } من العذاب وهو عذاب القبر ويقال: يعني: القحط ويقال: يوم بدر { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } حين لم يأخذهم بالعذاب عند معصيتهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } بتأخير العذاب عنهم حتى يتوبوا { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } يعني: ما تسر قلوبهم من عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - { وَمَا يُعْلِنُونَ } بألسنتهم من الكفر والشرك قوله عز وجل: { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ } يعني: من أمر العذاب ويقال: ما من شيء غائب عن العباد { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وٱلأرْضِ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } يعني: مكتوب في اللوح المحفوظ ويقال: أي: جملة غائبة عن الخلق إلا في كتاب مبين { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } قال مقاتل: يعني: أن هذا القرآن يبين للناس أهل الكتاب { أَكْثَرَ ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يعني: اختلافهم وقال ابن عباس: إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أهواءً وأحزاباً بطعن بعضهم على بعض ويبرأ بعضهم من بعض فنزل القرآن بتبيان ما اختلفوا فيه ثم قال عز وجل: { وَإِنَّهُ } يعني: القرآن { لَهُدًى } يعني: لبياناً من الضلالة { وَرَحْمَةٌ } من العذاب { لِلْمُؤْمِنِينَ إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم } يعني: بين المختلفين في الدين { بِحُكْمِهِ } أي: بقضائه يوم القيامة { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } يعني: المنيع بالنقمة ويقال: العزيز يعني: القوي فلا يرد له أمر { ٱلْعَلِيمُ } بأحوال خلقه سبحانه { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } يعني: ثق بالله ويقال: فوض أمرك إلى الله { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقّ ٱلْمُبِينِ } يعني: الدين المبين وهو الإسلام ثم قال عز وجل: { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } فهذا مثل ضربه للكفار أي: فكما أنك لا تسمع الموتى فكذلك لا تتفقه كفار مكة { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء } قرأ ابن كثير ولا يسمع بالياء والنصب والصُّم بالرفع والباقون بالتاء وضم التاء وكسر الميم والصُّم بالنصب فمن قرأ بالياء فلا يسمع فالفعل للصم ومن قرأ بالتاء فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنك لا تسمع الصم الدعاء { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } يعني: أعرضوا عن الحق مكذبين قوله عز وجل: { وَمَا أَنتَ بِهَادِى ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } قرأ حمزة تهدي العمي بغير ألف وقرأ الباقون بالألف فمن قرأ تهدي فمعناه ما أنت يا محمد بالذي تهدي الذين عميت بصائرهم عن آياتنا ولكن عليك الدعاء ويهدي الله من يشاء ومن قرأ بهادي فإن الباء دخلت لتأكيد النفي كقولك ما أنت بعالم فالياء لتأكيد النفي وخفض العمي للإضافة ثم قال: { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } يعني: لا تسمع الهدى إلا من صدق بالقرآن أنه من الله تعالى ويقال: بآياتنا يعني: أدلتنا { فَهُم مُّسْلِمُونَ } يعني: مخلصون مقرون بها ويقال: مسلمون في علم الله تعالى.