التفاسير

< >
عرض

إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٥٦
وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ
٥٨
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
٥٩
وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٠
-القصص

بحر العلوم

قوله عز وجل: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } يعني: لا ترشد من أحببته إلى الهدى. ويقال من أحببت هدايته إلى دينك وذلك "أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عماه قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله تعالى فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه ويكلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى مات على الكفر" فنزل { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } بهدايته { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } يعني: يرشد من يشاء إلى دينه { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } يعني: بمن قدر له الهدى قوله عز وجل: { وَقَالُواْ } يعني: مشركي مكة { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ } يعني: الإيمان بك { نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } يعني: نسبى ونخرج من مكة لإجماع العرب على خلافنا وهذا قول الحارث بن عامر النوفلي حين قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما كذبت كذبة قط فنتهمك اليوم ولكن متى ما نؤمن بك فتحسنا العرب من أرضنا يقول الله تعالى: { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } يعني: أولم ننزلهم مكة حرماً أميناً يعني: كان الحرم أمناً لهم في الجاهلية من القتل والسبي وهم يعبدون غيري فكيف يخافون إن أسلموا أن لا يكون الحرم أمناً لهم فذلك قوله أولم نمكن لهم يعني أولم ننزلهم مكة حرماً آمناً من الغارة والسبي { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ } بالتاء يعني: يحمل إليه { ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء } أي من ألوان الثمرات (قرأ نافع تجبى بالتاء لأن الثمرات) مؤنثة وقرأ الباقون بالياء لتقديم الفعل ثم قال: { رّزْقاً مّن لَّدُنَّا } أي: من عندنا { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يأكلون رزقي ويعبدون غيري وهم آمنون في الحرم ويقال لا يعلمون أن ذلك من فضل الله عليهم ثم خوفهم فقال تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } فيما مضى { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } كفرت برزق ربها ذكر القرية وأراد به أهل القرية يعني أنهم كانوا ينقلبون في رزق الله تعالى فلم يشكروه في نعمته ويقال بطرت معيشتها يعني: طغوا في نعمة الله فأهلكهم الله تعالى بالعذاب في الدنيا ويقال عاشوا في البطر وكفران النعم { فَتِلْكَ مَسَـٰكِنُهُمْ } يعني: انظروا واعتبروا في بيوتهم وديارهم بقيت خالية { لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } وهم المسافرون ينزلون بها يوماً أو ساعة { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوٰرِثِينَ } أي نرث الأرض ومن عليها { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } يعني: لم يعذب أهل القرى { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً } يعني: معظمها ويقال في أكبر قراها ويقال أم القرى مكة قرأ حمزة والكسائي في أمها بكسر الألف والباقون بالضم ومعناهما واحد يبعث في أمها رسولاً { يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِنَا } يعني: القرآن { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَـٰلِمُونَ } يعني: لم نهلكها إلا بظلم أهلها ثم قال عز وجل: { وَمَا أُوتِيتُم مّن شَىْء } يعني: ما أعطيتم من مال ويقال ما أعطيتم من الدنيا فهو { فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني: فهو متاع الحياة الدنيا ينتفعوا بها أيام حياتهم { وَزِينَتَهَا } يعني: وزهراتها ولا تبقى دائماً { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من الثواب والجنة { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } يعني: أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في الدنيا { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أن الباقي خير من الفاني قرأ عمرو يعقلون بالياء على معنى الخبر عنهم وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة.