التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥١
قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٥٢
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٣
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٥٤
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٥٥
يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ
٥٦
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
٥٨
ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٥٩
-العنكبوت

بحر العلوم

ثم قال عز وجل: { أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني القرآن فيه خبر ما مضى وخبر ما يكون أو لم يكفهم هذا علامة، ويقال: أو لم يكفهم أنهم فصحاء فجاءهم بالقرآن الذي أعجزهم عن ذلك وقال الزجاج كان قوم من المسلمين كتبوا شيئاً عن اليهود فأتوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "كفى هذا حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما أتاهم به نبيهم إلى ما أتى به غير نبيهم" فقال عز وجل: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } { يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَرَحْمَةً } يعني في هذا القرآن لنعمة لمن آمن به { وَذِكْرَىٰ } أي موعظة ويقال تفكر { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يعني يصدقون بالقرآن فقال له كعب بن الأشرف فقد كان قدم مكة من يشهد لك أنك رسول الله إن لم يشهد لك فنزل { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } بأني رسول الله { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } يعني بالصنم ويقال بالشيطان ويقال بالطاغوت وهو كعب بن الأشرف { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } يعني جحدوا وحدانية الله { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } يعني المغبونين في العقوبة، ويقال: خسروا حيث استوجبوا لأنفسهم العقوبة ثم قال عز وجل { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } وذلك أنهم قالوا ائتنا بعذاب الله يقول الله عز وجل { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } أي لولا الوقت الذي وقّتَ لهم { لَّجَاءهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً } يعني فجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بنزول العذاب { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } يعني جعلت لهم النار تحيط بهم قوله عز وجل { يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ } يعني يعلوهم { مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو، ونقول ذوقوا بالنون يعني نقول لهم نحن ذوقوا وهي حكاية عن الله سبحانه وتعالى بلفظ الجماعة وهو لفظ الملوك وقرأ الباقون بالياء يعني يقول الله عز وجل ويقال وتقول لهم الخزنة ذوقوا ما كنتم تعملون يعني جربوا عقوبة ما كنتم تعملون في الدنيا ثم قال عز وجل { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو بسكون الياء وقرأ الباقون بنصب الياء وقرأ ابن عامر وحده { إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ } بنصب الياء وقرأ الباقون بسكونها، في مثل هذه المواضع لغتان يجوز كلاهما، ومعناه إن أرضي واسعة إذا أُمِرْتُم بالمعصية والبدعة فاهربوا ولا تطيعوا في المعصية نزلت في ضعفاء المسلمين إن كنتم يعني إذا كنتم في ضيق من إظهار الإسلام بمكة "فَإِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ" يعني المدينة واسعة بإظهار الإسلام وروي عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه قال: "من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام " وإنما خص إبراهيم لأنه قال { { إِنِّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّىۤ } [العنكبوت: 26] ففر بدينه إلى أرض المقدسة وإنما خص محمداً - صلى الله عليه وسلم - لأنه هاجر من مكة إلى المدينة، ويقال: إن القوم كانوا في ضيق من العيش فقال إن كنتم تخافون شدة العيش فإن أرضي واسعة { فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ } أي موحدون بالمدينة علانية، ثم خوفهم بالموت ليهاجروا فقال { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتَ } لأنهم كانوا يخافون على أنفسهم بالخروج فقال لهم: لا تخافوا فإنَّ { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم قرأ عاصم في رواية أبي بكر يرجعون بالياء بلفظ المغايبة على معنى الخبر عنهم وقرأ الباقون بالتاء على معنى الخطاب لهم ثم قال عز وجل { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني صدقوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يعني الطاعات وهاجروا فسمى الهجرة من الأعمال الصالحة لأنها كانت فريضة في ذلك الوقت { لَنُبَوّئَنَّهُمْ } يعني لننزلنهم ولنسكننهم { مّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } يعني غرفاً من الجنة قرأ حمزة والكسائي لنثوينهم بالثاء وقرأ الباقون لنبؤنهم بالياء، فمن قرأ بالثاء فهو من ثويت بالمكان يعني أقمت به كقوله { { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِىۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } [القصص: 45] ومن قرأ بالباء يعني لننزلنهم وذكر عن الفراء أنه قال كلاهما واحد بوأته منزلاً أي أنزلته وأثويته منزلاً: يعني أنزلته سواء كقوله (وَمَا كُنتَ ثَاوِياً) ثم قال { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } أي ثواب الموحدين { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على الهجرة، ويقال: صبروا على أمر الله تعالى { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي يثقون به ولا يهتمون للرزق لأنهم كانوا يقولون كيف نهاجر وليس لنا مال ولا معيشة فوعظهم الله ليعبتروا فقال.
{ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ... }