التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٣٥
أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
١٣٦
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١٣٧
-آل عمران

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } نزلت في شأن رجل تَمَّار، جاءت امرأة تشتري منه تمراً، فأدخلها في [حانوته] وقبلها ثم ندم على ذلك، فنزلت هذه الآية ويقال نزلت هذه الآية في رجل مَسّ امرأة أخيه في الله وكان أخوه خرج غازياً ثم ندم وتاب. ويقال: إنها نزلت في شأن بهلول النباش تاب عن صنيعه فنزلت هذه الآية، فقال تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } يعني الزّنا { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } يعني القُبْلَة (واللمس). ويقال: الفاحشة كل فعل يستوجب به الحد في الدنيا { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } ما دون ذلك. ويقال: الفاحشة: ما استوجب به النار { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } ما استوجب به الحساب والحبس. وقال إبراهيم النخعي: الظلم ها هنا تفسير الفاحشة، فكأنه يقول: "والذين إذا فعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم". { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا الله، ويقال: ذكروا مقامهم بين يدي الله، ويقال: ذكروا عذاب الله { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } يعني الاستغفار باللسان، والندامة بالقلب. ويقال: الاستغفار باللسان بغير ندامة (القلب) توبة الكذابين. وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى الاستغفار الكثير. ثم قال تعالى: { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني لا يغفر الذنوب إلا الله. { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } يعني لم يقيموا على ما فعلوا من المعصية. { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنها معصية فلا يرجعون. ويقال: في الآية تقديم وتأخير فكأنه يقول: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله. { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { جَزَآؤُهُمْ } يعني ثوابهم { مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } يعني نعم ثواب العاملين الجنة، وهو قول الكلبي. وقال مقاتل: نعم ثواب التائبين من الذنوب الجنة { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي قد مضت لكل أمة سنة ومنهاج فإذا اتبعوها رضي الله عنهم. قال الكلبي: قد مضت سنة بالهلاك فيمن كان قبلكم، فانظروا: أي فاعتبروا كيف كان جزاء المكذبين. وقال مقاتل: نحو هذا، وقال: يخوف الله هذه الأمة بمثل عذاب الأمم (السابقة). وقال السدي: { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي اقرءوا القرآن { فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ }، لأن من لم يسافر، فإنه لا يعرف ذلك. وأما من قرأ القرآن فإنه يعرف ذلك. وقال الحسن: اقرأوا القرآن وتدبروا فيه، فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.