التفاسير

< >
عرض

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ
١٤
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
١٥
ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ
١٦
ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ
١٧
-آل عمران

بحر العلوم

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } حُسِّن وحُبِّب إليهم، وقد يكون التزيين من الله تعالى كما قال في آية أخرى { { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } [النمل: 4] وقد [كان] من الشيطان كما قال في آية أخرى { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } [النمل: 24] فأما التزيين من الله تعالى فهو على وجهين: يكون على [جهة] الامتحان للمؤمنين مع العصمة، وقد يكون للكفار على [جهة] العقوبة مع الخذلان، وأما التزيين من الشيطان [فهو على جهة] الوسوسة، فقال: زين للناس حب الشهوات { مِنَ ٱلنِّسَاء وَٱلْبَنِينَ } بدأ بالنساء، لأن فتنة النساء أشد من فتنة جميع الأشياء كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما تركت لأمتي فتنة أشد من فتنة النساء" ولأن النساء فتنتهن ظاهرة من وقت آدم عليه السلام إلى يومنا هذا. ويقال: في النساء فتنتان وفي الأولاد فتنة واحدة إحداهما: أنها تؤدي إلى قطيعة الرحم، لأن المرأة تأمر زوجها بقطيعة الرحم عن الأمهات والأخوات والثانية: يبتلي بجمع المال من الحلال والحرام. وأما البنون: فإن الفتنة فيهم واحدة وهي ما ابتلي به من جمع المال لأجلهم فذكر البنين، وأراد به الذكور والإناث. وقال بعض الحكماء: أولادنا فتنة، إن عاشوا فتنونا وإن ماتوا أحزنونا. ثم قال تعالى: { وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } روي عن الفراء أنه قال: القناطير جمع قنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فيكون تسع قناطير، وروي عن [أبي عبيدة] أنه قال: المقنطرة [مُفَعَّلة من الورق] كما يقال: ألف مؤلفة، وبذر مبذرة، ويقال: المقنطرة: هي [المكيلة] ثم اختلفوا في مقدار القنطار: فروي عن مجاهد أنه قال: القنطار سبعون ألف دينا.ر وقال أبو هريرة: القنطار اثني عشر ألف أوقية. وقال معاذ بن جبل: ألف ومائتا أوقية. وقال بعضهم: مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ من ذهب، حكاه الكلبي وقال هو لغة رومية. وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن القنطار ما هو؟ فقال: هو مثل دية أحدكم. ثم قال تعالى: { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } يعني الراعية، كما قال في آية أخرى: { فِيهِ تُسِيمُونَ }. أي ترعون وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل. وقال يحيى بن كثير: هي السمينة المصورة. وقال أبو عبيدة: المُعْلَمة { وَٱلأَنْعَـٰمُ } يعني الإبل والبقر والغنم { وَٱلْحَرْثِ } يعني الزرع، ذكر أربعة أصناف، كل نوع من [المال] يتمول به صنف من الناس، أما الذهب والفضة، فيتمول به التجار، وأما الخيل المُسَوَّمة فيتمول [بها] الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول به أهل الرساتيق، فيكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول به، وأما النساء والبنين فهي فتنة للجميع. ثم زهد في [ذلك كله] ورغب في الآخرة فقال تعالى: { ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي منفعة الحياة الدنيا تذهب ولا تبقى { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَأَبِ } أي المرجع في الآخرة الجنة، لا تزول ولا تفنى. ثم بَيّن أن الذي وعد المؤمنين في الآخرة خير مما زين للكفار فقال تعالى: { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } أي من الذي زين للناس في الدنيا { لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الشرك والفواحش والكبائر. ويقال: للذين اتقوا الزينة فلا تشغلهم عن طاعة الله. { عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } يعني البساتين تجري من تحت شجرها ومساكنها الأنهار، فهو خير من الزينة الدنيوية وما فيها وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَشِبْرٌ في الجنة خير من الدنيا وما فيها" قال: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعني مقيمين فيها أبداً. { وَأَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } معناه في الخَلْق والخُلُق، فأما الخَلْقُ، فإنهن لا يَحضِنَ ولا يتمخَّطْن ولا يأتين الخلاء، وأما الخُلُق، فإنهن لا يِغِرْن ولا يحسدن ولا ينظرن إلى غير أزواجهن، { وَرِضْوٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أي مع هذه النعم لهم رضوان من الله وهو من أعظم النعم، كما قال في آية أخرى { وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72] قرأ عاصم في رواية أبي بكر "وَرُضْوَان" بضم الراء، والباقون بالكسر وهما لغتان وتفسيرهما واحد: { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }. أي عالم بأعمالهم وثوابهم. ثم وصفهم فقال تعالى: { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا } أي صَدَّقْنَا { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي خطايانا التي كانت في الشرك وفي الإسلام { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } يعني ادفع عنا عذاب النار { ٱلصَّـٰبِرِينَ } يعني الجنة التي ذكر للذين اتقوا الشرك، [وللصابرين] الذين يصبرون على طاعة الله، ويصبرون [على] المعاصي ويصبرون على ما أصابهم من الشدة والمصيبة { وَٱلصَّـٰدِقِينَ } [يعني الصادقين] في إيمانهم وفي قلوبهم، وفي وعدهم بينهم وبين الناس، وبينهم وبين الله تعالى ثم قال: { وَٱلْقَـٰنِتِينَ } يعني المطيعين لله تعالى { وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } الذين يتصدقون من أموالهم في سبيل الله { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } يعني يصلون لله عند الأسحار. ويقال: يصلون لله بالليل ويستغفرون عند السَّحَر.