{ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } أي أنعم الله (عليهم) { إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ } يعني من أصلهم ونسبهم من العرب يعرفون نسبه. ويقال: "من أنفسهم" يعني من جنسهم، من بني آدم، ولم يجعله من الملائكة، وإنما خاطب بذلك المؤمنين خاصة، لأن المؤمنين هم الذين صدقوه فكأنه منهم. وقرىء في الشاذ: من (أَنفسكم) بنصب الفاء، أي من (أشرفهم)، وقد كانت له فضيلة في ثلاثة أشياء: أحدها: أنه كان من نسب شريف، لأنهم اتفقوا: أن العرب أفضل، ثم من العرب قريش[ثم من قريش بنو هاشم] فجعله من بني هاشم. والثاني: أنه كان أميناً فيهم قبل الوحي، [والثالث: أنه كان أمياً] لكي لا يرتاب فيه الافتعال. ثم قال: { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } أي يعرض عليهم القرآن { وَيُزَكّيهِمْ } [يعني: يأخذ منهم الزكاة ليطهر أموالهم ويقال: ويزكيهم يعني، يطهرهم من الذنوب والشرك، ويقال:] ويزكيهم أي (يأمرهم) بكلمة الإخلاص، وهي قول لا إله إلا الله { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني القرآن، و"الحكمة" أي الفقه، وبيان الحلال والحرام { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي وقد كانوا من قبل مجيء محمد - صلى الله عليه وسلم - لفي خطأ بَيِّن. ثم رجع إلى قصة أحد، وذكر التعزية للمؤمنين بما أصابهم من الجراحات، فقال: { أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } يعني يوم أُحد { قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } يوم بدر لأن المسلمين يوم بدر قتلوا سبعين نفساً من صناديد قريش، وأسروا سبعين، وقتل من المسلمين يوم أحد سبعين، ولم يؤسر منهم أحد، فذلك قوله تعالى: { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } وقوله: { أَوَلَمَّا } فالألف للاستفهام، والواو للعطف، "وما" صلة فكأنه قال: ولئن متم، أو قتلتم، أو أصابتكم مصيبة يوم أحد، قد أصبتم مثليها يوم بدر، { قُلْتُمْ: أَنَّىٰ هَـٰذَا } يعني قلتم فمن أين لنا هذا، وكيف أصابنا هذا ونحن مسلمون. { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أي من عند قومكم، بمعصية الرماةِ بتركهم ما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الضحاك: هو من عند أنفسكم، يعني بذنوبكم التي سلفت منكم قبل القتال، يعني أن في ذلك تطهيراً لما سلف من ذنوبكم، وهو قوله تعالى:
{ { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30]. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من النصرة والهزيمة { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } فبإذن الله أي جمع المسلمين [وجمع] المشركين { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي فبإرادة الله أصابكم { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } يعني أصابتكم المصيبة، لكي يظهر المؤمن من المنافق، ثم بين أمر المنافقين وصنيعهم وقلة حسبتهم في أمر الجهاد فقال: { وَقِيلَ لَهُمْ: تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ } يعني، إن لم تقاتلوا لوجه الله، فقاتلوا دفعاً عن أنفسكم وحريمكم، قال الكلبي: ويقال: ادفعوا يعني كثروا [وقال القتبي: "ادفعوا" أي كثروا]، لأنكم إذا كثرتم [ثم] دفعتم القوم [بكثرتكم] { قَالُواْ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ } يعني أن ميلهم إلى الكفر أقرب من ميلهم إلى الإيمان وقوله { لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } أي لجئنا معكم. "قال الضحاك: وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج يوم أحد أبصر كتيبة خثناء، وفيها كبكبة من الناس، فقال: من هؤلاء؟ فقيل: يا نبي الله هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي، فقال: إنا لا نستعين بالكفار" فرجع عبد الله مع حلفائه من اليهود، فقال له عمر: أقم مع المؤمنين، فقال: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم ويقال: إن عونهم للكفار أكثر من عونهم للمؤمنين { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } ذكر الأفواه على معنى التأكيد، لأن الرجل يقول بالمجاز بالإشارة، وهذا كما قال: { يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ بِأَيْدِيهِمْ } [البقرة: 79] ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق والكفر، ونزل فيهم أيضاً: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } من المنافقين { وَقَعَدُواْ } عن الجهاد { لَوْ أَطَاعُونَا } في القعود عن الجهاد { مَا قُتِلُوا } في الغزو { قُلْ } (لهم) يا محمد { فَادْرَءُواْ عَنْ أَنفُسِكُمُ } في حال حضور { ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ } في مقالتكم. قال الفقيه: سمعت بعض المفسرين بسمرقند يقول: لما نزلت هذه الآية: { فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ } مات يومئذ سبعون نفساً من المنافقين.