التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
غُلِبَتِ ٱلرُّومُ
٢
فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
٣
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ
٤
بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٥
وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦
-الروم

بحر العلوم

قول الله سبحانه وتعالى { الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } يعني: قهرت الروم { فِى أَدْنَى ٱلأَرْضِ } مما يلي فارس يعني: أرض الأردن وفلسطين { وَهُمْ } يعني: أهل الروم { مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } أهلَ فارس وذلك "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر ملك الروم يدعوه إلى الإسلام فقرأ كتابه وقبله ووضعه على عينيه، وخاتمه بخاتمه، ثم أوثقه على صدره، ثم كتب جواب كتابه أنا نشهد أنك نبي ولكنا لا نستطيع أن نترك الدين القديم الذي اصطفى الله لعيسى فعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: قد ثبت الله ملكهم إلى يوم القيامة إلى أدنى الأرض منها بفتح الله عز وجل على المسلمين وكتب إلى كسرى ملك فارس فمزق كتابه ورجع الرسول بعدما أراد قتله فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال - صلى الله عليه وسلم - قد مزق الله ملكهم فلا ملك لهم أبداً إذا مات كسرى فلا كسرى بعده فلما ظهرت فارس على الروم اغتم المسلمون لذلك فنزل قوله تعالى: { الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }" وقال في رواية الكلبي إن مشركي قريش شتموا حين غلب المشركون أهل الكتاب فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه لم تشتمون فوالله ليظهرن الروم عليهم فقال أبي بن خلف والله لا يكون ذلك أبداً فتبايعا أبو بكر وأبي بن خلف لتظهرن الروم على أهل فارس إلى ثلاث سنين على تسع ذود فرجع أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بالأمر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - انطلق فزده في الخطر ومده في الأجل فرجع أبو بكر إلى أبي بن خلف فقال أنا أبايعك إلى سبع سنين على عشر ذود فبايعه فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة إلى المدينة مهاجراً أتاه فلزمه فكفل له عبد الرحمن بن أبي بكر فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه محمد بن أبي بكر فلزمه فأعطاه كفيلاً ثم خرج إلى أحد فظهرت الروم على فارس عام الحديبية وذلك عند رأس سبع سنين فذلك قوله { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ } وروى أسباط عن السدي عن أصحابه قال اقتتلت فارس والروم فغلبتهم فارس ففخر أبو سفيان بن حرب على المسلمين وقال الذين ليس لهم كتاب غلبوا على الذين لهم كتاب فشق ذلك على المسلمين فلقي أبو بكر رضي الله عنه أبا سفيان فقامره على ثلاثة أبكار على أن الروم ستغلب فارس إلى ثلاث سنين ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال له انطلق فزد في الجعل وزد في السنين فزايده إلى سبع سنين على سبعة أبكار فالتقى الروم وفارس فغلبتهم الروم وظهر عليهم هرقل فجاءه جبريل عليه السلام بهزيمة فارس وظهور الروم عليهم ووافق ذلك يوم بدر وظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - على المشركين ففرح المؤمنون بظهورهم على المشركين وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك ويقال إن أهل الروم كانوا أهل كتاب وكان المسلمون يرجون إسلامهم وأهل فارس كانوا مجوساً فكان المسلمون لا يرجون إسلامهم وكانوا يحزنون لغلبة فارس عليهم فنزل الۤـمۤ غلبت الروم في أدنى الأرض أي أقرب الأرض إلى أرض فارس وهم من بعد غلبهم سيغلبون روي عن الفراء أنه قال: يعني من بعد غلبتهم ولكن عند الإضافة سقطت الهاء كما قال وأقام الصلاة ولم يقل وإقامة الصلاة، وقال الزجاج: هذا غلط وإنما يجوز ذلك في المعتل خاصة والغلب والغلبة كلاهما مصدر وسيغلبون { فِى بِضْعِ سِنِينَ } يعني: إلى خمس سنين ويقال إلى سبع سنين روي عن أبي عبيدة أنه قال البضع من واحد إلى أربعة، وقال القتبي: البضع ما فوق الثلاثة إلى دون العشرة وقال مجاهد: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، ويقال من بعد غلبهم، وهذا اللفظ يكون للغالبين وللمغلوبين كقولهم من بعد قتلهم ثم قال عز وجل: { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } يعني: لله الأمر حين غلبت فارس الروم ومن بعدُ يعني حين غلبت الروم فارس ولفظ القبل والبعد إذا كان في آخر الكلام يكون رفعاً على معنى الإضافة للغاية ولو كان إضافة إلى شيء يكون خفضاً كقولك من بعدهم ومن قبلهم ثم قال: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } لما يرجون من إسلامهم، ويقال يفرح أبو بكر رضي الله عنه خاصة ويقال يفرح المؤمنون بتصديق وعد الله تعالى، وروي عن الشعبي أنه قال: كان ذلك عام الحديبية فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فبايعوه مبايعة الرضوان ووعد لهم غنائم خيبر، وظهرت الروم على فارس وكان تصديقاً لهذه الآية ويومئذ يفرح المؤمنون وإنما جازت مخاطرة أبي بكر رضي الله عنه لأن المخاطرة كانت مباحة في ذلك الوقت ثم حرمت بقوله: { { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } [المائدة: 90] الآية ثم قال: { بِنَصْرِ ٱللَّهِ } يعني: بفتح الله { يَنصُرُ مَن يَشَاء } يعني: نصر الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } بالمؤمنين حين نصرهم قوله عز وجل: { وَعَدَ ٱللَّهُ } نصب الوعد لأنه مصدر ومعناه وعد الله وعداً يعني انتصروا وعد الله ثم قال: { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } حيث وعد لهم غلبة الروم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: الكفار لا يعلمون أن الله عز وجل لا يخلف وعده ويقال لا يعلمون الآخرة.