التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ
٣٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٣٧
فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٠
-الروم

بحر العلوم

قال عز وجل: { وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا } يعني: المطر والسعة { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } يعني: الجوع والشدة { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } يعني: جزاء لذنوبهم { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } يعني: آيسين من الرزق قرأ أبو عمرو والكسائي يقنطون بكسر النون وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان ومعناهما واحد، ثم وعظهم ليعتبروا ويطمئنوا بالرزق فقال عز وجل: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء } يعني: يوسع وكان يرى صلاح العبد في ذلك { وَيَقْدِرُ } يعني: يضيق العيش ويكون صلاحه في ذلك من البسط والتقتير { إِنَّ فِى ذَلِكَ } يعني: في البسط والتقتير { لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يعني: يصدقون قوله عز وجل: { فَـئَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } يعني: فأعط ذا القربى حقه وحق القرابة هو الصلة { وَٱلْمِسْـكِينَ } يعني: أعط السائل حقه وحقه أن يتصدق عليه بشيء { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } يعني: الضيف النازل وحقه أن تحسن إليه { ذٰلِكَ خَيْرٌ } يعني: الذي وصف من صلة القرابة والمسكين وابن السبيل ذلك خير { لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } يعني: أي يريدون بذلك رضاء الله خير من الإمساك عندهم { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } يعني: الناجون ويقال: الباقون في النعمة ويسمى السحور فلاحاً لأنه يبقي للصائم قوة { وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن رِباً } يعني: ما أعطيتم من عطية { لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } يعني: ليزدادوا في أموال ومعناه ما أعطيتم من عطية لتلتمسوا بها الزيادة { فَلاَ يَرْبُواْ عَندَ ٱللَّهِ } أي: فلا تضاعف تلك العطية عند الله عز وجل ما أعطيتم عند الله ولا يأثم فيه وروى معمر عن قتادة عن ابن عباس قال هي هبة يريد أن يثاب أفضل منها فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر فيه صاحبه ولا إثم عليه { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } قال هي الصدقة { تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وقال عكرمة الربا ربوان ربا حلال وربا حرام فأما الحلال فهو هبة الرجل يريد أن يثاب ما هو أفضل منها وأما الحرام (فزيادة خالية عن العوض في عقد المعاوضة وهو نوعان ربا الفضل وربا النساء عرف ذلك في كتب الفقه قرأ ابن كثير وما أتيتم بغير مد يعني ما جئتم وقرأ الباقون بالمد يعني ما أعطيتم واتفقوا في الثاني أنه بالمد وقرأ نافع لتربو بالتاء والضم والباقون) بالياء والنصب فمن قرأ بالنصب فمعناه لتستزيدوا أنتم زيادة في المال يعني: لتكثروا أموالكم بما أعطيتم ومن قرأ ليربو بالياء معناه ليربو المعطي فيكثر حتى يرد ما هو أكثر منه، ثم بين ما يربو فيه فقال: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } يعني: ما أعطيتم من صدقة تريدون وجه الله يعني رضا الله ففيه الإضعاف فأولئك هم المضعفون للواحد عشرة فصاعداً، ويقال: المضعفون أي الواجدين من الضعف كما يقال أكذبته إذا وجدته كاذباً ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده فقال عز وجل: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } ولم تكونوا شيئاً { ثُمَّ رَزَقَكُمْ } يعني: أطعمكم ما عشتم في الدنيا { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } للبعث بعد الموت لينبئكم بما عملتم في الدنيا ويجازيكم { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء } يعني: يفعل كفعله ثم نزه نفسه فقال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (وقد ذكرناه ويقال: الله الذي خلقكم وطلب منكم العبادة ثم رزقكم وطلب الطمأنينة ثم يميتكم وطلب منكم الاستعداد للموت ثم يحييكم وطلب منكم الحجة والبرهان).