التفاسير

< >
عرض

فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ
٥٢
وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ
٥٣
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ
٥٤
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ
٥٥
وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٥٦
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
٥٧
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ
٥٨
كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٩
فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ
٦٠
-الروم

بحر العلوم

{ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } فشبه الكفار بالموتى فكما لا يسمع الموتى النداء فكذلك لا يجيب ولا يسمع الكفار الدعاء إذا دعوا إلى الإيمان { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } يعني: أن الأصم إذا كان مقبلاً لا يسمع فكيف إذا ولى مدبراً فكذلك الكافر لا يسمع إذا كان يتصامم عند القراءة والقراءة ذكرناها في سورة النمل ثم قال عز وجل: { وَمَا أَنتَ بِهَادِى ٱلْعُمْىِ } إلى الإيمان { عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } يعني: لا تقدر أن توفقه وهو لا يرغب عن طاعتي في طلب الحق { إِن تُسْمِعُ } يعني: ما تسمع { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } يعني: بالقرآن { فَهُم مُّسْلِمُونَ } يعني: مخلصون ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليعتبروا ويتفكروا فيه فقال عز وجل: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ } يعني: من نطفة ويقال صغيراً لا يعقل { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } يعني: شدة بتمام خلقه { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً } يعني: بعد الشباب الهرم { وَشَيْبَةً } أي شمطاً قرأ عاصم في رواية حفص وحمزة من ضعف بنصب الضاد وقرأ الباقون من ضعف بالضم وهما لغتان ومعناهما واحد { يَخْلُقُ مَا يَشَاء } أي يحول الخلق كما يشاء من الصورة { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } العليم بتحويل الخلق القدير يعني: القادر على ذلك قوله عز وجل: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني: يحلف المشركون { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } في الدنيا يقول الله عز وجل كذلك كانوا يكذبون بالبعث كما أنهم كذبوا حيث قالوا ما لبثوا يعني في القبور غير ساعة ويقال: { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } لأنهم يقولون مرة { { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] ومرة يقولون { { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف: 119] ومرة يقولون { مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ } فيقول الله تعالى هكذا كانوا في الدنيا ثم قال عز وجل: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَـٰنَ } يعني: أكرموا بالعلم والإيمان { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي في علم الله، ويقال: فيما كتب الله عز وجل وقال مقاتل: في الآية تقديم يعني: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان وهو ملك الموت لقد لبثتم في كتاب الله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } ويقال الذين أوتوا العلم بالكتاب وأوتوا الإيمان وهم العلماء ثم قال: { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يعني: لا تصدقون بهذا اليوم في الدنيا ثم قال عز وجل: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: أشركوا { مَعْذِرَتُهُمْ } قرأ ابن كثير وأبو عمر ولا تنفع بالتاء بلفظ التأنيث لأن لفظ المعذرة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء فينصرف إلى المعنى يعني عذرهم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يقال عتب يعتب إذا غضب عليه وأعتب يعتب إذا رجع عن ذنبه واستعتب إذا طلب منه الرجوع يعني: أنه لا يطلب منهم الرجوع في ذلك اليوم ليرجعوا ثم قال عز وجل: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ } يعني: وصفنا وبينا { فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي: شبه { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِـئَايَةٍ } كما سألوا { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: المشركون من أهل مكة { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } يعني: يقولون ما أنت إلا كاذب وليس هذا من الله عز وجل كما كذبوا بانشقاق القمر يقال أبطل الرجل إذا جاء بالباطل وأكذب إذا جاء بالكذب، فقال: إن أنتم إلا مبطلون يعني: كاذبون ثم قال: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ } يعني يختم الله عز وجل { عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: لا يصدقون بالقرآن وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَٱصْبِرْ } يا محمد { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } فيما وعد لكم من النصر على عدوكم وإظهار دين الإسلام حق، ويقال: فاصبر إن وعد الله حق يعني: صدق في العذاب { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } يعني: يستنزلنك عن البعث { ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } أي لا يصدقون ويقال لا يستخفنك يعني: لا يحملنك تكذيبهم على الخفة يعني: كن حليماً صبوراً وقوراً، ويقال: لا يستخفنك فتدعو عليهم بتعجيل العذاب فيهلك الذين لا يوقنون بالعذاب والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.