التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
١٥
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
١٦
فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٧
أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ
١٨
أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٩
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
-السجدة

بحر العلوم

قال الله عز وجل: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا } يعني: يصدق بآياتنا يعني بالعذاب { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا } يعني وعظوا بها يعني: بآيات الله عز وجل { خَرُّواْ سُجَّداً } على وجوههم { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } يقول: وذكروا الله عز وجل بأمره { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن السجود كفعل الكفار ويقال: الذين إذا ذكروا يعني دعوا إلى الصلوات الخمس أتوها فصلوها ولا يستكبرون عنها قوله عز وجل: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ } قال مقاتل: نزلت في الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد فإذا صلوا المغرب كرهوا أن ينصرفوا مخافة أن تفوتهم صلاة العشاء في الجماعة فكانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء ويقال: الذي يصلي العشاء والفجر بجماعة وقال أنس بن مالك: الذي يصلي ما بين المغرب والعشاء وهو صلاة الليل كما جاء في الخبر "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ركعة في الليل خير من ألف ركعة في النهار" قال أبو الليثرحمه الله : حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا السراج قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم (قال حدثنا أبو معاوية عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسحاق) عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد العبسية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينقدهم البصر ثم ينادي مناد: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم فأين الذين يحمدون الله عز وجل على كل حال؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم ينادي مناد: أين الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم ينادي مناد: أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يؤمر لسائر الناس فيحاسبون" فذلك قوله عز وجل: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ } { عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } يعني: يصلون بالليل ويقومون عن فرشهم { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } يعني: يتصدقون من أموالهم يعني: صدقة التطوع لأنه قرنه بصلاة التطوع ويقال: يعني الزكاة المفروضة والأول أراد به العشاء والفجر ثم بين ثوابهم فقال عز وجل: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم } يعني: ما أعد لهم { مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } يعني: من الثواب في الجنة ويقال: من طيبة النفس وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } قال مقاتل: قيل لابن عباس ما الذي أخفي لهم؟ قال: في جنة عدن ما لم يكن في جناتهم قرأ حمزة ما أخفي بسكون الياء وقرأ الباقون بنصبها فمن قرأ بالسكون فهو على معنى الخبر عن نفسه فكأنه قال: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم (ومن قرأ بالنصب فهو على فعل ما لم يسم فاعله على معنى أفعل وقرىء في الشاذ وما أخفى يعني: وما أخفى الله عز وجل لهم) ثم قال: { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني: جزاء لأعمالهم قوله عز وجل: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } يعني: لا يستوون عند الله عز وجل في الفضل نزلت الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك أنه جرى بينهما كلام فقال الوليد لعلي: بأي شيء تفاخرني؟ أنا والله أحد منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ منك في الكتيبة عيناً يعني أكون أملأ مكاناً في العسكر، فقال له علي رضي الله عنه: اسكت فإنك فاسق فنزل { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } وقال الزجاج: نزلت في عقبة بن أبي معيط قال ويجوز في اللغة لا يستويان ولم يقرأ والقراءة لا يستوون ومعناهما لا يستوي المؤمنون والكافرون ثم بين مصير كلا الفريقين فقال تعالى: { أَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي أقروا بالله ورسوله والقرآن { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني الطاعات { فَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً } يعني: يأوي إليها المؤمنون ويقال: يأوي إليها أرواح الشهداء وهو أصح في اللغة ثم قال: (نُزُلاً) يعني: رزقاً والنزل في اللغة هو الرزق ويقال: نزلاً يعني: منزلاً { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني: بأعمالهم ثم بين مصير الفاسقين فقال: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } يعني: عصوا ولم يتوبوا { فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } فسقوا يعني نافقوا وهو الوليد بن عتبة ومن كان مثل حاله فمأواهم النار يعني: مصيرهم إلى النار ومرجعهم إليها { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } يعني: من النار { أُعِيدُواْ فِيهَا } ويقال: إن جهنم إذا جأشت ألقتهم في أعلى الباب فطمعوا في الخروج منها فتلقاهم الخزنة بمقامع فتضربهم فتهوي بهم إلى قعرها { وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } وقال في آية أخرى -: { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } بلفظ التأنيث لأنه أراد به النار وهي مؤنثة وهاهنا قال: الذي كنتم به تكذبون بلفظ التذكير لأنه أراد به العذاب وهو مذكر.