التفاسير

< >
عرض

مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
-الأحزاب

بحر العلوم

قوله عز وجل: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ } قال مقاتل: نزلت في جميل بن معمر ويكنى أبا معمر وكان حافظاً بما يسمع وأهدى الناس للطريق يعني طريق البلدان وكان مبغضاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يقول: إن لي قلبين أحدهما أعقل من قلب محمد فنزل: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ } وكان الناس يظنون أنه صادق في ذلك حتى كان يوم بدر فانهزم وهو آخذ بإحدى نعليه في أصبعه والأخرى في رجله حتى أدركه أبو سفيان بن حرب وكان لا يعلم بذلك حتى أخبر أن إحدى نعليه في أصبعه والأخرى في رجله فعرفوا أنه ليس له قلبان ويقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهى في صلاته فقال المنافقون: لو أن له قلبين أحدهما في صلاته والآخر مع أصحابه فنزل: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ } وروى معمر عن قتادة قال: كان رجل لا يسمع شيئاً إلا وعاه فقال الناس: ما يعي هذا إلا أن له قلبين وكان يسمى ذا القلبين فنزلت هذه الآية وروى معمر عن الزهري قال: بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة ضرب الله مثلاً يقول ليس ابن رجل آخر ابنك كما لا يكون لرجل آخر من قلبين وذكر عن الشافعي أنه احتج على محمد بن الحسن قال: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ } يعني: ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام يعني لا يجوز أن يثبت نسب صبي واحد من أبوين ولكن هذا التفسير لم يذعن به أحد من المتقدمين فلو أراد به على وجه القياس لا يصح لأنه ليس بينهما جامع يجمع بينهما وذكر عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أن جارية كانت بين رجلين جاءت بولد فادعياه، فقالا: إنه ابنهما يرثهما ويرثانه ثم قال عز وجل: { وَمَا جَعَلَ أَزْوٰجَكُمُ ٱللاَّئِى تُظَـٰهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمْ } قرأ عاصم تظاهرون بضم التاء وكسر الهاء والألف وقرأ ابن عامر تظاهرون بنصب التاء والهاء وتشديد الظاء وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو تظهرون بنصب التاء والهاء بغير ألف والتشديد وقرأ حمزة والكسائي تظاهرون بنصب التاء والتخفيف مع الألف وهذه كلها لغات يقال: ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر بمعنى واحد وهو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي فمن قرأ تظهرون بالتشديد فالأصل تظهرون فأدغم إحدى التائين في الظاء وشددت من قرأ تظاهرون فالأصل يتظاهرون فأدغمت إحدى التائين ومن قرأ بالتخفيف حذف إحدى التائين ولم يشدد للتخفيف كقوله: (تسألون) والأصل تتساءلون والآية نزلت في شأن أوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته وذكر حكم الظهار في سورة المجادلة. ثم قال تعالى: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ } نزلت في شأن زيد ابن حارثة حين تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فكما لا يجوز أن يكون لرجل واحد قلبان فكذلك لا يجوز أن تكون امرأته أمه ولا ابن غيره يكون ابنه ثم قال: { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوٰهِكُمْ } يعني: قولكم الذي قلتم زيد بن محمد - صلى الله عليه وسلم - أنتم قلتموه بألسنتكم { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } يعني: يبين الحق ويأمركم به كي لا تنسبوا إليه غير النسبة { وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ } يعني: يدل على طريق الحق يقال: يدل على الصواب بأن تدعوهم إلى آبائهم وروى أبو بكر بن عياش عن الكلبي قال: كان زيد بن حارثة مملوكاً لخديجة بنت خويلد فوهبته خديجة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه وتبناه فكانوا يقولون زيد بن محمد فنزل قوله: { ٱدْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ } يعني انسبوهم لآبائهم فقالوا: زيد بن حارثة { هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } يعني أعدل عند الله عز وجل { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ } يعني إن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم { فَإِخوَانُكُمْ فِى ٱلدِّينِ } أي قولوا ابن عبد الله وابن عبد الرحمن { وَمَوٰلِيكُمْ } يعني قولوا مولى فلان وكان أبو حذيفة أعتق عبداً يقال له: سالم وتبناه فكانوا يسمونه سالم بن أبي حذيفة فلما نزلت هذه الآية سموه سالماً مولى أبي حذيفة ثم قال: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } يعني: أن تنسبوهم إلى غير آبائهم قبل النهي ويقال: ما جرى على لسانهم بعد النهي لأن ألسنتهم قد تعودت بذلك { وَلَـٰكِنِ } الجناح فيما { مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } يعني: قصدت قلوبكم بعد النهي وروي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمرو عن عبد الله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه حلف باللات والعزى ناسياً فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن ينفث عن يساره ثلاثاً وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } يعني: غفوراً لمن أخطأ ثم رجع رحيماً بهم.