التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ
١٠
أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١
-سبأ

بحر العلوم

قوله عز وجل: { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُدُ مِنَّا فَضْلاً } يعني: أعطيناه النبوة والملك { يٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ } يعني: سبحي مع داود، وأصله في اللغة من الرجوع وإنما سمي التسبيح إياباً لأن المسبح مرة بعد مرة وقال القتبي: أصله التأويب من السير وهو أن يسير النهار كله كأنه أراد أوبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل ثم قال { وَٱلطَّيْرَ } وقرىء في الشاذ والطيرُ بالضم، وقراءة العامة بالنصب، فمن قرأ بالضم فهو على وجهين: أحدهما أن يكون نسقاً على أوبي والمعنى يا جبال ارجعي بالتسبيح معه أنت والطير ويجوز أن يكون مرفوعاً على النداء والمعنى أيها الجبال وأيها الطير، ومن قرأ بالنصب فلثلاث معانٍ أحدها لنزع الخافض ومعناه أوبي معه ومع الطير والثاني أنه عطف على قوله { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُدُ مِنَّا فَضْلاً } وآتيناه الطير يعني: وسخرنا له الطير والثالث أن النداء إذا كان على أثره إسم فكان الأول بغير الألف واللام والثاني بالألف واللام فإنه في الثاني بالخيار إن شاء نصبه وإن شاء رفعه والنصب أكثر كما قال الشاعر

ألاَ يَا زَيْدُ والضَّحَّاكَ سِيْرَا فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمرَ الطَّرِيقِ

ورفع زيداً لأنه نداء مفرد ونصب الضحاك بإدخال الألف واللام ثم قال عز وجل { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } يعني: جعلنا له الحديد مثل العجين { أَنِ ٱعْمَلْ سَـٰبِغَـٰتٍ } يعني: قلنا له اعمل الدروع الواسعة وكان قبل ذلك صفائح الحديد مضروبة ثم قال { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } قال السدي السرد المسامير التي في خلق الدرع وقال مجاهد وقدر في السرد أي لا تدق المسامير فتقلقل في الحلقة ولا تغلظها فتعصمها واجعله قدراً بين ذلك وقال في رواية الكلبي هكذا، وقال بعضهم هذا لا يصح لأن الدروع التي عملها داود - عليه السلام - وكانت بغير مسامير لأنها كانت معجزة له ولو كان محتاجاً إلى المسمار لما كان بينه وبين غيره فرق وقد يوجد من بقايا تلك الدروع بغير مسامير ولكن معنى قوله: { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } أي: قدر في نسخها وطولها وعرضها وضيقها وسعتها ويقال: قدر في تأليفه والسرد في اللغة تقدمة الشيء إلى الشيء يأتي منسقاً بعضه إلى أثر بعض متتابعاً ويقال يسرد في الكلام إذا ذكره بالتأليف ومنه قيل لصانع الدروع سراد وزراد تبدل من السين الزاي وروي عن عائشة أنها قالت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن سرد الحديث كسردكم: أي لم يتابع في الحديث كتتابعكم ثم قال { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } يعني: أدوا فرائضي وقد خاطبه بلفظ الجماعة كما قال: { { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ } [المؤمنون: 51] وأراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ويقال: إنه أراد به داود وقومه { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يعني: عالم.