التفاسير

< >
عرض

وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٩
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٦٠
وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
٦١
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ
٦٢
هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٦٣
ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٦٤
ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٦٥
وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ
٦٦
-يس

بحر العلوم

يقول الله تعالى: [{ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ } وذلك أنه إذا كان يوم نادى مناد] { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني: اعتزلوا أيها الكفار من المؤمنين فإنهم قد تأذوا منكم في الدنيا فاعتزلوهم حتى ينجوا منكم ويقال: إن المنادي ينادي أيها المجرمون امتازوا فإن المؤمنين قد فازوا، وأيها المنافقون امتازوا فإن المخلصين قد فازوا، ويا أيها الفاسقون امتازوا فإن الصالحين قد فازوا، ويا أيها العاصون امتازوا فإن المطيعين قد فازوا، ثم يقول للكفار والمنافقين بعدما امتازوا { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } يعني: ألم أتقدم إليكم، ويقال: ألم أبين لكم في القرآن، ويقال: ألم أوضح لكم { يٰبَنِيۤ ءَادَمَ } بالكتاب والرسل. وقال القتبي: العهد يكون لمعان: يكون للأمانة كقوله: { { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ } [التوبة: 4] ويكون لليمين ويكون للميثاق، ويكون للزمان، كما يقال: كان ذلك في عهد فلان: أي في زمانه ويكون العهد للوصية كقوله { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ } يعني: أن لا تطيعوا الشيطان، قال ابن عباس من أطاع شيئاً فقد عبده { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يعني: بيّن العداوة { وَأَنِ ٱعْبُدُونِى هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يعني: أطيعوني ووحدوني يعني: هذا التوحيد طريق مستقيم ويقال دين الإسلام هو طريق مستقيم لا عوج فيه وهو طريق الجنة قوله عز وجل: { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } يعني: خلقاً كثيراً، وقرأ نافع وعاصم { جِبِلاًّ } بكسر الجيم والباء والتشديد، وقرأ أبو عمرو وابن عامر (جبِلا) بضم الجيم وجزم الباء، والباقون بضم الجيم والباء، ومعنى ذلك كله واحد، وقال أهل اللغة: الجبل والجبلة كله بمعنى واحد، يعني الناس الكثير { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } ما فعل بمن كان قبلكم فتعتبروا فلم تطيعوه، فلما دنوا من النار قال لهم خزنتها { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } في الدنيا فلم تصدقوا بها { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } يعني: اصلوها اليوم بما كفرتم في الدنيا عقوبة لكم في الدنيا { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ } وذلك حين قالوا: { { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] { وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يعني: يعملون من الشرك والمعاصي ثم قال: { وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } قال مقاتل: يعني لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصّرٰطَ } يعني: ولو طمست الكفر لاستبقوا الصراط، أي لجازوا الطريق { فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } يعني: فمن أين يبصرون الهدى بعدما جعلت قلوبهم قاسية، وجعلت على أعمالهم غطاء وَأكِنَّةً على قلوبهم قال الكلبي: ولو نشاء لفقأنا أعين الضلالة فأبصروا الهدى واستبقوا الطريق { فَأنَّى يُبْصِرُونَ } الطريق، ويقال: فأنى يبصرون الهدى، وقال بعضهم: ولو نشاء لأعمينا أبصارهم في أسواقهم ومجالسهم، كما فعلنا بقوم لوط عليه السلام حين كذبوه وراودوه عن ضيفه { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصّرٰطَ } يعني: فابتدروا الطريق هرباً إلى منازلهم ولو فعلنا ذلك بهم.