التفاسير

< >
عرض

لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ
٦
لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
٧
إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
٨
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
٩
وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
١٠
-يس

بحر العلوم

قوله تعالى: { لّتُنذِرَ } يعني لتخوف بالقرآن { قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } يعني كما أنذر آباؤهم الأولون { فَهُمْ غَـٰفِلُونَ } عن ذلك، يعني عما أنذر آباؤهم ثم قال عز وجل: { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ } أي وجب القول بالعذاب { عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } أي على الكفار، ويقال لقد حق القول، وهو قوله { { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [الأعراف: 18] ويقال: القول كناية عن العذاب، أي وجب عليهم العذاب { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني لا يصدقون بالقرآن { إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً } قال مقاتل: نزلت في بني مخزوم، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليدفعنه بحجر، فأتاه وهو يصلي فرفع الحجر ليدمغه، فيبست يده إلى عنقه، والتزق الحجر بيده ورجع إلى أصحابه، فخلصوا الحجر من يده، ورجل آخر من بني المغيرة أتاه ليقتله فطمس الله على بصره فلم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع قوله، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، فذلك قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً فَهِيَ إِلَى ٱلأَذْقَـٰنِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } وذكر في رواية الكلبي نحو هذا، وقال بعضهم { إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً } أي نجعل في أعناقهم أغلالاً يوم القيامة، ويقال: معناه { إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً } أي جعلنا أيديهم ممسكة عن الخيرات مجازاة لكفرهم { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } أي حائلاً لا يهتدون إلى الإسلام، ولا يبصرون الهدى، وقال بعضهم: { إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً } يعني أيديهم، ولم يذكر في الآية اليد، وفيها دليل لأن الغل لا يكون إلا باليد إلى العنق، فلما ذكر العنق فكأنما ذكر اليد، وروي عن ابن عباس، وابن مسعود أنهما قرآ: إنا جعلنا في أيمانهم أغلالاً، وقرأ بعضهم: في أيديهم وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد، لأنه لا يجوز أن يكون الغل بأحدهما دون الآخر، كقوله: { { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] ولم يذكر البرد لأن في الكلام دليلاً عليه ثم قال: { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَـٰنِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } (أي رددنا أيديهم إلى أعناقهم) إلى الأَذقان، أي الحنك الأيسر { فَهُم مُّقْمَحُونَ } أي رافعو الرأس إلى السماء، غاضو الطرف، لا يبصر موضع قدميه، وقال قتادة: أي مغلولين من كل خير ثم قال عز وجل { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } أي ظلمة { ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } أي ظلمة { فَأغْشَيْنَـٰهُمْ } بالظلمة { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَوَآء عَلَيْهِمْ } الآية، يعني خوفتهم، اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التوبيخ { وَسَوَآء عَلَيْهِمْ أَءنذَرْتَهُمْ } يعني خوفتهم { أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني أم لم تخوفهم لا يصدقون، إنما نزلت الآية في شأن الذين ماتوا على كفرهم، أو قتلوا على كفرهم، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { سَدّاً } بنصب السين في كلاهما، وقرأ الباقون بالضم، وقال أبو عبيدة قراءتنا بالضم لأنهما من فعل الله تعالى، وليس من فعل بني آدم، وقال القتبي: المقمح الذي يرفع رأسه ويغض بصره، يقال بعير قامح: إذا روي من الماء فقمحت عيناه وقال: والسد: الجبل { فَأغْشَيْنَـٰهُمْ } يعني أعمينا أبصارهم عن الهدى.