التفاسير

< >
عرض

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ
١٩
وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
٢٠
هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢١
ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ
٢٥
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
٢٦
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ
٣١
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
٣٢
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
٣٤
إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
٣٥
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ
٣٦
بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٧
إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ
٣٨
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
-الصافات

بحر العلوم

قال عز وجل: { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } يعني: صيحة ونفخة واحدة، ولا يحتاج إلى الأخرى { فَإِذَا هُم } يعني: الخلائق { يَنظُرُونَ } يعني: يخرجون من قبورهم وينظرون إلى السماء كيف غيرت والأرض كيف بدلت، فلما عاينوا البعث ذكروا قول الرسل: إن البعث حق { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدّينِ } يعني يوم الحساب، ويقال يوم الجزاء، فردت عليهم الحفظة ويقولون { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } أنه لا يكون، ثم ينادي المنادي { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: سوقوا الذين كفروا { وَأَزْوٰجُهُمْ } يعني: وأشباههم، ويقال وقرناءهم وضرباءهم، ويقال وأشياعهم وأعوانهم، ويقال وأمثالهم { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني: من الشياطين الذين أضلوهم، ويقال كل معبود وكل من يطاع في المعصية { فَٱهْدُوهُمْ } يعني: ادعوهم جميعاً ويقال اذهبوا بهم وسوقوهم جميعاً { إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ } يعني: إلى طريق الجحيم، والجحيم: ما عظم من النار، ويقال: إلى وسط الجحيم، فلما انطلق بهم إلى جهنم أرسل الله عز وجل ملكاً يقول { وَقِفُوهُمْ } أي احبسوهم { إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } عن ترك قول لا إلٰه إلاَّ الله، ويقال في الآية تقديم يعني يقال لهم قفوا قبل ذلك، فحبسوا أو سئلوا ثم يساق بهم إلى الجحيم فيقال لهم { مَا لَكُمْ لاَ تَنَـٰصَرُونَ } يعني: لم ينصر بعضكم بعضاً ولا يدفع بعضكم عن بعض كما كنتم تفعلون في الدنيا قوله عز وجل: { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } أي خاضعون ذليلون { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } يعني: يسأل ويخاصم بعضهم بعضاً القادة والسفلة، والعابد والمعبود ومتابعي الشيطان للشيطان، ويقال: يتساءلون يعني يتلاومون، { قَالُواْ } يعني: السفلة للرؤساء { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } يعني: من قبل الحق أي الدين فزينتم لنا ضلالتنا، وروي عن الفراء أنه قال: { ٱلْيَمِينِ } في اللغة القوة والقدرة، ومعناه إنكم كنتم تأتوننا بأقوى الحيل وكنتم تزينون علينا أعمالنا، وقال الضحاك: تقول السفلة للقادة إنكم قادرون وظاهرون علينا، ونحن ضعفاء أذلاء في أيديكم، روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال { تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } عن الحق، يعني: الكفار يقولون للشيطان، وقال القتبي: إنما يقول هذا المشركون لقرنائهم من الشياطين { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } يعني: عن أيماننا، لأن إبليس قال: { { لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [الأعراف: 17] وقال المفسرون: من أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين وليس عليه الحق، ومن أتاه من قبل الشمال أتاه من قبل الشهوات، ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل التكذيب بالقيامة، ومن أتاه من خلفه خوفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده، فلم يصل رحماً، ولم يؤد زكاة، وقال المشركون لقرنائهم إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين في الدنيا من جهة الدين، يعني أضللتمونا { قَالُواْ } لهم قرناؤهم { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي لم تكونوا على حق فتشبه عليكم ونزيلكم عنه إلى الباطل { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ } يعني: من قدرة فنقهركم، ويقال من ملك فنجبركم عليه { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَـٰغِينَ } يعني: كافرين عاصين { فَحَقَّ عَلَيْنَا } يعني: وجب علينا جميعاً { قَوْلُ رَبّنَا } وهو السخط، ويقال قول ربنا يوم قال لإبليس { { لأَمْلاّنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 85] { إِنَّا لَذَائِقُونَ } يعني: العذاب جميعاً في النار، قوله عز وجل: { فَأَغْوَيْنَـٰكُمْ } يعني: أضللناكم عن الهدى { إِنَّا كُنَّا غَـٰوِينَ } يعني: ضالين يقول الله تعالى: { فَإِنَّهُمْ } يعني: الكفار والشياطين { يَوْمَئِذٍ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } يعني: شركاء في النار وفي العذاب يوم القيامة { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } يعني: هكذا نفعل بمن أشرك، فنجمع بينهم وبين الذين أضلّوهم في النار، ثم أخبر عنهم فقال { إِنَّهُمْ كَانُواْ } يعني: في الدنيا { إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني: قولوا لا إلٰه إلا الله { يَسْتَكْبِرُونَ } عنها ولا يقولونها { وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا } يعني: أنترك عبادة آلهتنا { لِشَاعِرٍ } يعني: لقول شاعر { مَّجْنُونٍ } أي مغلوب على عقله، يقول الله تعالى { بَلْ جَاء بِٱلْحَقّ } يعني: بالقرآن، ويقال: بأمر التوحيد، ويقال جاء ببيان الحق { وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } الذين قبله، قال مقاتل يعني: صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمرسلين الذين قبله، وقال الكلبي: وبتصديق المرسلين الذين قبله ومعناهما واحد. ويقال معناه جاء محمد عليه السلام بموافقة المرسلين عليهم السلام { إِنَّكُمْ } يعني: العابد والمعبود { لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } يعني: لتصيبوا العذاب الوجيع الدائم { وَمَا تُجْزَوْنَ } في الآخرة { إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني: إلا بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي والشرك ثم استثنى المؤمنين فقال عز وجل: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } يعني: الموحدين، ويقال إلا بمعنى لكن عباد الله المخلصين.