قال عز وجل: { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرٰهِيمَ } فجعل العبد نعت إبراهيم خاصة، كأنه قال واذكر عبدنا، قرأ ابن كثير واذكر (عَبْدَنَا) بغير ألف، وقرأ الباقون (عِبَادَنَا) بالألف، فمن قرأ عبدنا فمعناه (وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ } فجعل العبد نعتاً لإبراهيم خاصة فكأنه قال { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ } واذكر { إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } ومن قرأ { عِبَادِنَا } يعني ما بعده مع إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ، ويَعْقُوبَ { أُوْلِى ٱلأَيْدِى وَٱلأَبْصَـٰرِ } يعني أولي القوة في العبادة، والأبصار يعني ذوي البصر في أمر الله تعالى قوله عز وجل { إِنَّا أَخْلَصْنٰهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } يعني اختصصناهم بذكر الله تعالى، وبذكر الجنة وليس لهم هم إلا هم الآخرة، ويقال معناه: واذكر صبر إبراهيم، وصبر إسحاق، وصبر يعقوب، ولم يذكر صبر إسماعيل لأنه لم يبتلَ بشيء، قرأ نافع (بِخَالِصَةِ) بغير تنوين على معنى الإضافة، وقرأ الباقون مع التنوين، وروي عن مالك ابن دينار أنه قال: نزع الله ما في قلوبهم من حب الدنيا وذكرها وقد أخلصهم بحسب الآخرة وذكرها، ومن قرأ (بِخَالِصَةٍ) بالتنوين، جعل قوله: { ذِكْرَى ٱلدَّارِ } بدلاً من خالصة، والمعنى إنا أخلصناهم بذكر الدار، والدار هاهنا دار الآخرة، يعني جعلناهم لنا خالصين، بأن جعلناهم يكثرون ذكر الدار والرجوع إلى الله تعالى ثم قال عز وجل: { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } يعني المختارين للرسالة، الأخيار في الجنة ثم قال { وَٱذْكُرْ إِسْمَـٰعِيلَ } قال مقاتل: واذكر صبر إسماعيل وهو أشمويل بن هلفانا، وقال غيره هو إسماعيل بن إبراهيم، يعني اذكر لقومك صبر إسماعيل، وصدق وعده { وَٱلْيَسَعَ، وَذَا ٱلْكِفْلِ } واليسع كان خليفة إلياس، وذا الكفل كفل مائة نبي أطعمهم وكساهم { وَكُلٌّ مّنَ ٱلأَخْيَارِ هَـٰذَا ذِكْرُ } يعني هذا الذي ذكرنا من الأنبياء عليهم السلام في هذه السورة ذكر يعني بيان لعظمته { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ } من هذه الأمة { لَحُسْنَ مَـئَابٍ } يعني حسن المرجع. ثم وصف الجنة فقال عز وجل { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأبْوَابُ } يعني تفتح لهم الأبواب فيدخلونها يعني الجنة، كما قال تعالى في آية أخرى:
{ { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا } [الزمر: 73] فإذا دخلوها وجلسوا على السرر، وكانوا { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } يعني ألوان الفاكهة، والشراب { وَعِندَهُمْ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } يعني غاضات أعينهن عن غير أزواجهن { أَتْرَابٌ } يعني ذات أقران أي مستويات على سن واحد { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } يقول { إِنَّ هَذَا } يعني إن هذا الثواب الذي توعدون بأنه يكون لكم في يوم الحساب وقرأ ابن كثير، وأبو عمر، بالياء على معنى الاخبار عنهم، وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة، يقول الله تعالى { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا } يعني إن هذا الذي ذكرنا لعطاؤنا للمتقين { مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } يعني لا يكون له فناء، ولا انقطاع عنهم، وهذا كما قال تعالى: { { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 33] ثم قال: { هَـٰذَا } يعني هذا الرزق للمتقين، فيتم الكلام عند قوله { هَـٰذَا } ثم ذكر ما أوعد الكفار فقال عز وجل: { وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } يعني للكافرين لبئس المرجع لهم في الآخرة، ثم بين مرجعهم فقال عز وجل { جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا } يعني يدخلونها { فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } يعني فبئس موضع القرار { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ } يعني هذا العذاب لهم فليذوقوه { حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } وهو ماء حار قد انتهى حره، قرأ حمزة والكسائي وحفص غسَّاق، بتشديد السين، وقرأ الباقون بالتخفيف، وعن عاصم روايتان، رواية حفص بالتشديد، ورواية أبي بكر بالتخفيف، فمن قرأ بالتشديد: فهو بمعنى سيال وهو ما يسيل من جلود أهل النار، ومن قرأ بالتخفيف: جعله مصدر غسق يغسق غساقاً، أي سال، وروي عن ابن عباس، وابن مسعود، أنهما قرآ غساق بالتشديد، وفسراه بالزمهرير، وقال مقاتل: الغساق، البارد الذي انتهى برده، وقال الكلبي: الحميم: هو ماء حار قد انتهى حره وأما غساق فهو الزمهرير، يعني برد يحرق كما تحرق النار، وقال بعضهم الغساق: المنتن بلفظ الطحاوية ثم قال عز وجل { وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوٰجٌ } يعني وعذاب آخر من نحوه يعني من نحو الحميم، والزمهرير، قرأ أبو عمر، وابن كثير في إحدى الروايتين (وَأُخَر من شكله) بضم الألف، وقرأ الباقون (وَآخَر) بالنصب، فمن قرأ بالضم فهو لفظ الجماعة ومعناه وأنواع أخر، ومن قرأ (وَأَخَرَ) بنصب الألف بلفظ الواحد يعني وعذاب آخر من شكله، أي مثل عذابه الأول { أَزْوٰجٌ } يعني ألوان { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } يعني جماعة داخلة معكم النار يقال: اقتحم إذا دخل في المهالك، وأضلوا الدخول، تقول الخزنة للقادة وهذه جماعة داخلة معكم النار وهم الاتباع { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } يعني لا وسع الله لهم { إِنَّهُمْ صَالُو ٱلنَّارِ } يعني داخل النار معكم فردت الاتباع على القادة { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } يعني لا وسع الله عليكم { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } يعني أسلفتموه لنا وبدأتم بالكفر قبلنا فاتبعناكم { فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } يعني بئس موضع القرار في النار قوله عز وجل { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا } الأمر هذا الذي كنا فيه { فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى ٱلنَّارِ، وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ ٱلأَشْرَارِ } يعني فقراء المسلمين. قوله عز وجل: { أَتَّخَذْنَـٰهُمْ سِخْرِيّاً } قرأ حمزة، والكسائي، وأبو عمرو (سخرياً اتخذناهم) بالوصل، وقرأ الباقون بالقطع فمن قرأ بالقطع فهو على معنى الاستفهام بدليل قوله { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَـٰرُ } لأن أم تدل على الاستفهام، ومن قرأ بالوصل فمعناه أنا أتخذناهم سخرياً، وجعل أم بمعنى بل، وقرأ حمزة والكسائي ونافع (سُخْرِيّاً) بضم السين، وقرأ الباقون بالكسر، قال القتبي: فمن قرأ بالضم جعله من السخرة يعني تستذلهم، ومن قرأ بالكسر فمعناه إنا كنا نسخر منهم، ثم قال { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَـٰرُ } يعني مالت وحادت أبصارنا عنهم فلا نراهم، قال الله سبحانه وتعالى { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } يعني يتكلم به أهل النار ويتخاصمون فيما بينهم.