التفاسير

< >
عرض

تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
٢
أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ
٣
لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
٤
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ
٥
-الزمر

بحر العلوم

قول الله تبارك وتعالى { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ } يعني القرآن، صار رفعاً بالابتداء، وخبره من الله تعالى، أي نزل الكتاب من عند الله { ٱلْعَزِيزِ } بالنقمة { ٱلْحَكِيمِ } في أمره، ومعناه نزل جبريل بهذا القرآن من عند الله { ٱلعَزِيزِ ٱلحَكِيمِ } وقال بعضهم: صار رفعاً لمضمر فيه، ومعناه هذا الكتاب تنزيل قوله تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني أنزلنا إليك جبريل بالكتاب { بِٱلْحَقِّ } { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } يعني استقم على التوحيد، وعلى عبادة الله تعالى مخلصاً، وإنما خاطبه والمراد به قومه، يعني وحدوا الله تعالى ولا تقولوا مع الله شريكاً ثم قال: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ } يعني له الولاية والوحدانية، ويقال له الدين الخالص، والخالص: هو دين الإسلام فلا يقبل غيره من الأديان، لأن غيره من الأديان ليس هو بخالص سوى دين الإسلام قوله عز وجل { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } يعني عبدوا من دونه أرباباً، وأوثاناً { مَا نَعْبُدُهُمْ } على وجه الإضمار، قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ يعني يقولون ما نعبدهم، وروي عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب أنهما كانا يقرآن وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قالوا (مَا يعبدهم) بالياء، وقراءة العامة مَا نَعْبُدُهُمْ على وجه الإضمار لأن في الكلام دليلاً عليه { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } يعني ليشفعوا لنا، ويقربونا عند الله ويقال ليقَربونا إلى الله زلفى يعني منزلة. يقول الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يعني يقضي بينهم يوم القيامة { فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدين ثم قال عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى } أي لا يرشد إلى دينه { مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } في قوله الملائكة بنات الله وعيسى بن الله، كفار، يعني كفروا بالله، بعبادتهم إياهم، ويقال معناه: لا يوفق لتوحيده من هو كاذب على الله، حتى يترك كذبه ويرغب في دين الله { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } كما قلتم { لاَّصْطَفَىٰ } يعني لاختار من الولد { مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } من خلقه إن فعل ذلك ثم قال { سُبْحَـٰنَهُ } نزه نفسه عن الولد، وعن الشرك { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } يعني الذي لا شريك له، القهار: يعني القاهر لخلقه، ثم بين ما يدل على توحيده ويعجز عنه المخلوقون قوله عز وجل { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } يعني للحق، ولم يخلقهما باطلاً لغير شيء { يُكَوّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ } قال مجاهد يعني يدهور الليل على النهار { وَيُكَوّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } يعني يدور النهار على الليل وقال مقاتل: يكور يعني يسلط عليه، وهو انتقاص كل واحد منهما من صاحبه، وقال الكلبي يكور يعني: يزيد من النهار في الليل، فيكون الليل أطول من النهار، ويزيد من الليل في النهار فيكون النهار أطول من الليل هذا يأخذ من هذا، وهذا يأخذ من هذا، وقال القتبي: يُكَوِّرُ يعني: يدخل هذا على هذا، وأصل التكوير اللف والجمع، ومنه كور العمامة، ومنه قوله { { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [التكوير: 1] { وَيُكَوّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } يعني: ذلل ضوء الشمس والقمر للخلق { كُـلٌّ يَجْرِى لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } يعني: إلى أقصى منازله، ويقال إلى يوم القيامة { أَلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } يعني: العزيز بالنقمة لمن لم يتب { ٱلْغَفَّارُ } لمن تاب، ويقال العزيز في ملكه، الغفار لخلقه بتأخير العذاب.