قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - {قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ} صار نصباً بالنداء، يعني يا خالق السماوات والأرض {عَـٰلِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ} يعني عالماً بما غاب عن العباد، وما لم يغب عنهم، ويقال عالماً بما مضى، وما لم يمض، وما هو كائن، ويقال: عالم السر والعلانية {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} يعني أنت تقضي في الآخرة بين عبادك {فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي كفروا {مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} أي مثل ما في الأرض {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} أي لفادوا به أنفسهم {مِن سُوء ٱلْعَذَابِ} أي من شدة العذاب {يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ} وفي الآية مضمر، أي لا يقبل منهم ذلك {وَبَدَا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ} أي ظهر لهم حين بعثوا من قبورهم {مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} في الدنيا أنه نازل بهم، يعني يعملون أعمالاً يظنون أن لهم فيها ثواباً فلم تنفعهم مع شركهم، فظهرت لهم العقوبة مكان الثواب {وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ} أي عقوبات ما عملوا {وَحَاقَ بِهِم} أي نزل بهم عقوبة {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} يعني باستهزائهم بالمسلمين، ويقال باستهزائهم بالرسول، والكتاب، والعذاب، {فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا} يعني أصاب الكافر شدة وبلاء، وهو أبو جهل، ويقال جميع الكفار دعانا أي أخلص في الدعاء {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ} أي بدلنا وأعطيناه مكانها عافية {نِعْمَةً مّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ} أي على علم عندي، يعني أعطاني ذلك لأنه علم أني أهل لذلك، ويقال: معناه على علم عندي، بالدواء {بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ} أي بلية وعطية يبتلى بها العبد، ليشكر أو ليكفر {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن إعطائي ذلك بلية، وفتنة {قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} يعني قال تلك الكلمة، الذين من قبل كفار مكة، مثل قارون وأشباهه {فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعني لم ينفعهم ما كانوا يجمعون من الأموال {فَأَصَـٰبَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي عقوبات ما عملوا، قوله {وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـؤُلاَء} يعني من أهل مكة {سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} يعني عقوبات ما عملوا، مثل ما أصاب الذين من قبلهم {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي غير فائتين من عذاب الله {أَوَ لَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء} أي يوسع الرزق لمن يشاء {وَيَقْدِرُ} أي يقتر على من يشاء {إِنَّ فِى ذَلِكَ} يعني في القبض والبسط {لآيَاتٍ} أي لعلامات لوحدانيتي {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي يصدقون بتوحيد الله {قُلْ يٰعِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ} يعني أسرفوا بالذنوب على أنفسهم، قرأ نافع، وابن كثير وعاصم، وابن عامر قُلْ يا عِبَادِيَ بفتح الياء، والباقون بالإرسال، وهما لغتان، ومعناهما واحد {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ} أي لا تيأسوا من مغفرة الله {إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً} الكبائر، وغير الكبائر، إذا تبتم {إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ} لمن تاب {ٱلرَّحِيمُ} بعد التوبة لهم، وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: أصاب قوم في الشرك ذنوباً عظاماً فكانوا يخافون أن لا يغفر الله لهم، فدعاهم الله تعالى بهذه الآية {يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ} وقال مجاهد: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم بقتل الأنفس في الجاهلية، وقال في رواية الكلبي نزلت الآية في شأن وحشي، يعني أسرفوا على أنفسهم بالقتل والشرك والزنى، لا تيأسوا {مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً} لمن تاب وقال ابن مسعود أرجى آية في كتاب الله هذه الآية وهكذا قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: فيها عظة.