التفاسير

< >
عرض

وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١٢٨
وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
١٢٩
وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً
١٣٠
-النساء

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ } أي علمت { مِن بَعْلِهَا } يعني زوجها { نُشُوزاً } يعني عصياناً في الأثرة { أَوْ إِعْرَاضاً } عنها، وترك محادثتها (نزلت في رافع بن خديج، تزوج امرأة أشب من امرأته خولة بنت محمد بن مسلمة، وقال في رواية الكلبي: نزلت في ابنة محمد بن مسلمة وفي زوجها أسعد بن الزبير، تزوجها وهي شابة، فلما أدبرت وعلاها الكبر، تزوج عليها امرأة شابة، وآثرها عليها، وجفا بنت محمد بن مسلمة، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكت إليه، فنزل: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } يعني ترك مجامعتها { أَوْ إِعْرَاضاً } يعني يعرض بوجهه ويقل مجالستها ومحادثتها { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } أي لا إثم على الزوج والمرأة { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } قرأ أهل الكوفة: عاصم وحمزة والكسائي { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا } بضم الياء والتخفيف، وهو من الصلح، وقرأ الباقون: أن يصالحا بالألف وتشديد الصاد، لأن أصله وتصالحاً [فأدغمت] التاء في الصاد، وأقيم التشديد مكانه. ثم قال: { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } يعني الصلح خير من الفرقة، ويقال: الصلح خير من النشوز، ويقال: الصلح خير من الخصومة والخلاف. وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } قال: قول الرجل لامرأته أنت كبيرة وإني أريد أن أستبدل بك شابة، فقري على ولدك، ولا أقسم لك من نفسي شيئاً ورضيت بذلك، فذلك الصلح بينهما، قال: وهذا قول أبي السنابل بن بعكك حين جرى بينهما هذا الصلح، ثم صارت الآية عامة، في جواز الصلح الذي يجري فيما بين الناس، لقوله تعالى: { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ }. ثم قال تعالى: { وَأُحْضِرَتِ ٱلأَنفُسُ ٱلشُّحَّ } يعني، الشح حملها على أن تدع نصيبها، ويقال: شحت المرأة بنصيبها من زوجها، أن تدعه للأخرى، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى، وقال مقاتل: طمعها وحرصها يجرها إلى أن ترضى. ثم قال تعالى: { وَإِن تُحْسِنُواْ } يقول تحسنوا إليهن { وَتَتَّقُواْ } الميل والجور { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } في الإحسان والجور. قوله تعالى: { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنّسَاء } يقول: لن تقدروا أن تسووا بين النساء في الحب، بين الشابة والكبيرة { وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أي ولو جهدتم، ولكن اعدلوا في القسمة والنفقة { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } بالنفقة والقسمة إلى الشابة { فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ } بغير قسمة، كالمسجونة لا أيم، ولا ذات بعل، وروي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من كان له امرأتان فمال إلى أحدهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل، وفي رواية أخرى وأحد شقيه ساقط" . وروى أبو أيوب عن أبي قلابة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه، فيعدل في القسمة، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" ، يعني الحب والجماع. ثم قال تعالى: { وَإِن تُصْلِحُواْ } يعني تصلحوا بينهما بالسوية { وَتَتَّقُواْ } الجور والميل { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } حيث رخص لكم في الصلح. ثم قال عز وجل: { وَإِن يَتَفَرَّقَا } يعني الزوج والمرأة { يُغْنِي ٱللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ } يعني من رزقه، وقال مجاهد، يعني الطلاق. وروي عن جعفر بن محمد، أن رجلاً شكا إليه الفقر فأمره بالنكاح، فذهب الرجل وتزوج، ثم جاء إليه فشكا إليه الفقر، فأمره بالطلاق فسئل عن ذلك، فقال: أمرته بالنكاح وقلت: لعله من أهل هذه الآية { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ، يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النور: 32] فلما لم يكن من أهل هذه الآية، قلت: فلعله من أهل هذه الآية: { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ }. وروي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ: فتذروها كأنها مسجونة. ثم قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ وٰسِعاً } يعني واسع الفضل { حَكِيماً } حكم بفرقتهما وتسويتهما.