فقال تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنّسَاءِ }، يعني لا تتزوجوا من قد تزوج آباؤكم من النساء. ويقال اسم النكاح يقع على الجماع والتزوج، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها بغير نكاح حرمت على ابنه وقوله { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يقول: لا تفعلوا ما قد فعلتم في الجاهلية، وكان الناس يتزوج الرجل منهم امرأة الأب برضاها، بعد نزول قوله { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً } حتى نزلت هذه الآية: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ... } الآية، فصار حراماً في الأحوال كلها. ويقال: إلا ما قد سلف، يعني: ولا ما قد سلف، كقوله تعالى
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } [النساء: 92] ولا خطأ وقد قيل: إن في الآية تقديماً وتأخيراً، ومعناه، ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [فإنكم إن فعلتم تواخذون وتعاقبون إلا ما قد سلف] إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، إلا ما قد سلف. وقد قيل: إن في الآية إضماراً تقول { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ } من النساء فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون إلا ما قد سلف. ثم قال: { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي معصية { وَمَقْتاً } أي بغضاً { وَسَاء سَبِيلاً } أي بئس المسلك. { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ } أي نكاح أمهاتكم، فذكر الأمهات والمراد منه الأمهات والجدات. { وَبَنَـٰتُكُمْ } ذكر البنات والمراد به البنات والحفيدات [أي بنات الأولاد] ثم قال تعالى: { وَأَخَوٰتُكُمْ } يعني من النسب { وَعَمَّـٰتُكُمْ وَخَـٰلَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ الْلاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ }. ثم قال تعالى: { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَائِكُمْ } يعني أن نكاح أمهات نسائكم حرام عليكم سواء دخل بالإبنة أو لم يدخل بها. هكذا روي عن ابن عباس وعن جماعة من الصحابة إنهم قالوا ذلك، ثم قال: { وَرَبَائِبُكُمُ } يعني حرام عليكم نكاح بنات نسائكم { ٱللَّـٰتِي فِي حُجُورِكُمْ } يعني التي يربيها في حجره حرام عليه إذا دخل بأمها { مِّن نِّسَائِكُمُ ٱللَّـٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يعني إن لم يكن دخل بأمها فهي حلال، له أن يتزوجها [وقد اتفقوا على أن] كونها في الحجر ليس بشرط غير قول روي عن بعض المتقدمين وإنما ذكر الحجر لتعارفهم فيما بينهم وتسميتهم بذلك الإسم. ثم قال تعالى: { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ } يعني حرام عليكم نساء أبنائكم { ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } يقال: إنما اشترط الذين من الأصلاب، لزوال الاشتباه لأن القوم كانوا يتبنون في ذلك الوقت ويجعلون الابن المتبنى بمنزلة ابن الصلب في الميراث والحرمة، وتبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة، فتزوج زيد بن حارثة امرأة ثم طلقها، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعيره المشركون بذلك، وقالوا تزوج امرأة ابنه فنزل قوله تعالى: { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ } [الأحزاب: 40] وذكر في هذه الآية فقال: { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } لكي لا يظن أحد أن امرأة الابن المتبنى تحرم عليه. ثم قال تعالى: { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } أي حرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين في النكاح في حالة واحدة، ثم قال تعالى: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يقول: إلا ما قد مضى في الجاهلية. وروى هشام بن عبيد الله، عن محمد بن الحسن أنه قال: كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها، التي ذكر في هذه الآية إلا اثنتين: أحدهما: نكاح امرأة الأب، والثانية الجمع بين الأختين ألا ترى أنه قال تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [{ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ولم يذكر في سائر المحرمات إلا ما قد سلف]. ويقال: إلا ما قد سلف يعني، دع ما قد مضى { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً } لما كان في الجاهلية { رَّحِيماً } بما كان في الإسلام إن تاب من ذلك.