التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً
٥٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً
٥٧
-النساء

بحر العلوم

فقال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَـٰتِنَا } يعني بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } أي ندخلهم ناراً في الآخرة. ويقال: صلى: إذا دخل النار لأجل شيء، وأصلاه: إذا أدخله للإحتراق والاصطلاء بالنار: الاستدفاء. ثم قال تعالى: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } يقول: كلما احترقت جلودهم { بَدَّلْنَـٰهُمْ } يعني جددنا لهم { جُلُوداً غَيْرَهَا } لأنهم إذا احترقوا خبت عنهم النار ساعة فبدلوا خلقاً جديداً، ثم عادت تحرقهم، فهذا دأبهم فيها، وقال مقاتل: تجدد في كل يوم سبع مرات، وقال الحسن: بلغني أنه ينضج كل يوم سبعين ألف مرة، وقال الضحاك: سبعين جلداً في كل يوم. وقد طعنت الزنادقة في هذا وقالوا: إن الجلد الذي تبدل لم يذنب فكيف يستحق العقوبة والعذاب. وقيل لهم: إن ذلك الجلد هو الجلد الأول، ولكنه إذا أحرق أعيد إلى الحال الأول، كالنفس إذا صارت تراباً، وصارت لا شيء، ثم أحياها الله تعالى، فكذلك ها هنا. وقوله تعالى: { جُلُوداً غَيْرَهَا } على وجه المجاز، كما قال في آية أخرى: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [سورة إبراهيم: 48] قال ابن عباس - رضي الله عنه - يعني يزاد في سعتها، وتسوى جبالها وأوديتها. وقوله: ثم قال تعالى { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي لكي يجدوا مس العذاب { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً } في نقمته { حَكِيماً } في أمره، حكم لهم بالنار. ثم بين مصير الذين صدقوا به فقال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَات } يعني الطاعات التي أمرهم الله بها { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ } أي مقيمين فيها { أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } في الخلق والخلق { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }. قال الضحاك: يعني، ظلال أشجار الجنة، وظلال قصورها وقال الكلبي: يعني ظلاً ظليلاً أي دائماً. وقال مقاتل: يعني أكنان القصور، (ظليلاً) يعني لا خلل فيها.