التفاسير

< >
عرض

أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً
٨٢
وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٣
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً
٨٤
-النساء

بحر العلوم

قوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ } يعني أفلا يتفكرون في مواعظ القرآن، ليعتبروا بها، ويقال: أفلا يتفكرون في معاني القرآن، فيعلمون أنه من عند الله تعالى لأنه { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } أي تناقضاً كثيراً، ويقال: أباطيل وكذباً كثيراً، لأن الاختلاف في قول الناس وقول الله تعالى لا اختلاف فيه، فلهذا قال أهل النظر: إن الإجماع حجة، لأن الإجماع من الله تعالى، ولو لم يكن من الله تعالى لوقع فيه الاختلاف، ولهذا قالوا: إن القياس إذا انتقض سقط الاحتجاج به، لأنه لو كان حكم الله تعالى لم يرد عليه النقض. قوله تعالى: { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ } يعني المنافقين، إذا جاءهم خبر من أمر السرية، بالفتح والغلبة على العدو سكتوا وقصروا عما جاءهم من الخبر أو الخوف، أي وإن جاءهم خبر من السرية ببلاء وشدة، نزلت بالمؤمنين { أَذَاعُواْ بِهِ } أي أفشوه { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ }، قال الكلبي: يقول لو سكتوا عن إفشائه، حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يفشيه، وأولو الأمر منهم: مثل: أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ } يقول: يبتغونه { مِنْهُمْ } فيكون هؤلاء الذين يستمعونه ويفشونه، ويعلمونه إلا قليلاً منهم، يقول الله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي لولا من الله عليكم ورحمته ونعمته { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ }، فيه تقديم وتأخير، وقال مقاتل: أذاعوا به أي أفشوه { إِلاَّ قَلِيلاً } منهم لا يفشون الخبر. وقال الزجاج: { أَذَاعُواْ بِهِ } أي أظهروه، ومعنى { يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي يستخرجونه، وأصله من النبط، وهو أول الماء الذي يخرج من البئر، إذا حفرت، ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوا من قبل الرسول، ومن قبل أولي الأمر منهم لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعف المسلمين، وعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوي العلم، وكانوا يعلمون مع ذلك. وقال عكرمة: لعلمه الذين يخوضون فيه ويسألون عنه. وقال أبو العالية: يعني الذين يستحسنونه منهم. وقال الضحاك: ولو ردوا أمرهم في الحلال والحرام، إلى الرسول في التصديق به والقبول منه، وإلى أولي الأمر منهم، يعني حملة الفقه والحكمة، لعلمه الذين يستنبطونه منهم، يعني يتفحصون عن العلم، { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } بالقرآن { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } وهم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، وفي هذه الآية دليل على جواز الاستنباط من الخبر والكتاب، لأن الله تعالى قد أجاز الاستنباط من قبل الرسول وأهل العلم ثم قال: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي في طاعة الله { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ }، قال مقاتل: يعني ليس عليك ذنب غيرك، وقال الزجاج، أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد، وإن قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر، وقال أبو بكر في أهل الردة: لو خالفتني يميني لجاهدت بشمالي. ويقال: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بأن يخرج إلى بدر الصغرى فكره المسلمون الخروج (فأمره الله تعالى بأن يخرج، وإن كان وحده) فقال: { وَحَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي على القتال يعني على الجهاد، بقتال أعداء الله { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي يمنع قتال الذين كفروا، واليأس: هو القتال. كما قال في آية أخرى { { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } [البقرة: 177] ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } أي عذاباً، ويقال: { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي أشد عقوبة في الآخرة عن عقوبة الكفار في الدنيا.