قوله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا}. قال الضحاك: يعني من سن سنة حسنة في الإسلام فله أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء. {وَمَن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا} أي من سنّ في الإسلام سنة قبيحة محدثة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. وقال الكلبي: {مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً} يعني يصلح بين اثنين يكن له أجر منها {وَمَن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً سَيّئَةً} يمشي بالنميمة والغيبة، {يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا} يعني إثم منها. وقال مجاهد: إنما هي شفاعة في الناس بعضهم لبعض، يعني يشفع لأخيه [المسلم] في دفع المظلمة عنه. وروى سفيان، عن عمرو بن دينار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"اشفعوا إلي تؤجروا، فإن الرجل منكم يسألني الأمر فأمنعه كي ما تشفعوا فتؤجروا" . وقال الحسن: الشفاعة تجري أجرها لصاحبها ما جرت منفعتها، والكفل في اللغة النصيب، كقوله تعالى: { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [الحديد: 28]. ثم قال تعالى: {وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} والمقيت: المقتدر، يقال: أقات على الشيء، يعني اقتدر، ويقال: المقيت: الشاهد على الشيء الحافظ له، ويقال: مقيتاً، يعني: بيده الرزق وعليه قوت كل دابة، كقوله تعالى: { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا } [فصلت: 10]. قوله تعالى: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ} يعني إذا سلم عليكم {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا} أي ردوا جوابها، بأحسن منها {أَوْ رُدُّوهَا} أي مثلها، فأمر الله تعالى المسلمين برد السلام، بأن يردوا بأحسن منها، وهو أن يقولوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أو يرد مثله، فيقول: وعليكم السلام. وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها للمسلمين، أو ردوها لأهل الذمة. فيقول لهم: وعليكم. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أن رجلاً دخل عليه، وقال: السلام عليكم، فقال له وعليكم السلام فلك عشر حسنات، ودخل آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فقال: لك عشرون حسنة. ودخل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فقال: لك ثلاثون حسنة" . وروي عنه أنه نهى أن ينقص الرجل من سلامه، أو من رده، وهو أن يقول: السلام عليك، ولكن ليقل: السلام عليكم. ويقال: إنما ذلك للمؤمنين، لأن المؤمن، لا يكون وحده ولكن يكون معه الملائكة. وفي هذه الآية دليل: أن السلام سنة، والرد واجب، لأن الله تعالى أمر بالرد، والأمر من الله تعالى واجب. ويقال {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} يعني إذا أهدي إليكم بهدية، فكافئوا بأفضل منها أو مثلها، وهذا التأويل ذكر عن أبي حنيفة. ثم قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً} أي مجازياً. قوله تعالى: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ} نزلت في شأن الذين شكوا في البعث، فأقسم الله تعالى بنفسه {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وهذه لام القسم، وكل لام بعدها نون مشددة، فهي لام القسم. وقوله: {إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ} قال بعضهم: إلى صلة في الكلام، معناه ليجمعنكم يوم القيامة. ويقال: ليجمعنكم في الموت، وفي قبوركم إلى يوم القيامة، ثم يبعثكم {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي لا شك فيه، وهو البعث، يعني لا شك فيه عند المؤمنين، ويقال: يعني لا ينبغي أن يشك فيه، ثم قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} أي من أوفى من الله قولاً وعهداً. قرأ حمزة والكسائي: (ومن أزدق) بالزاي. وقرأ الباقون: (أصدق) وأصله الصاد، إلا أنه لقرب مخرجيهما يجعل مكانه زاي.