ثم قال تعالى: { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني القاعدين عن الجهاد لا يكون حالهم مثل حال الذين يجاهدون في الثواب والأجر { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } أي القاعدين الذين لا عذر لهم، ومن كان له عذر، فهو خارج من هذا، قال ابن عباس: يعني، ابن أم مكتوم، ومحمد بن جحش، ويقال: عبد الله بن جحش فقال: إنا عميان فهل لنا من رخصة فنزلت { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } حدثنا أبو الفضل بن أبي حفص، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا إبراهيم بن داود، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأوسي قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي قال: رأيت مروان بن الحكم جالساً في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ }، { وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: يا رسول الله: لو استطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن يرض فخذي ثم سري عنه [أي زال عنه التغير] فأنزل الله تعالى: { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } يعني، إلا أن يكون أولي الضرر. قرأ نافع والكسائي، وابن عامر: (غير أولي الضرر) بنصب الراء. وقرأ حمزة وعاصم، وابن كثير، وأبو عمرو: (غير أولي الضرر) بالضم. وقرأ بعضهم: { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } بالكسر، فمن قرأ بالضم جعله نعتاً للقاعدين، أي يعني لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، ومن قرأ بالنصب فهو على معنى الاستثناء، ويقال: هو نصب على الحال، ومن قرأ بالكسر، فلحرف الكسر وهو من قوله تعالى: { وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ، فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ } أي بغير عذر { دَرَجَةً } أي فضيلة في الآخرة { وَكُلاًّ } يعني المجاهدين والقاعدين، والمعذورين { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي وعد الله لهم الثواب وهو الجنة، ثم قال تعالى: { وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } أي بغير عذر ثم بين الأجر فقال: { دَرَجَـٰتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً } أي فضائل من الله في الجنة أي سبعين درجة. روى هشام بن حسان عن جبلة بن عطية، عن ابن محيريز قال: ما بين الدرجتين، حضر الفرس أو الجواد سبعين عاماً. ثم قال تعالى: { وَمَغْفِرَةٌ } يعني مغفرة لذنوبهم، { وَرَحْمَةً } نعمة في الجنة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لمن جاهد { رَّحِيماً } إذ سوى بين من له عذر بالفضل مع غيره.