التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ
٣٦
أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ
٣٧
وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ
٣٨
يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ
٣٩
مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
٤٠
وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ
٤١
تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ
٤٢
لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٤٣
فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٤٤
فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ
٤٥
ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ
٤٦
-غافر

بحر العلوم

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰهَـٰمَـٰنُ ٱبْنِ لِى صَرْحاً } أي قصراً مشيداً { لَّعَـلِّى أَبْلُغُ ٱلأَسْبَـٰبَ } يعني أصعد طرق السموات { فَأَطَّلِعَ } أي انظر { إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } الذي يزعم أنه أرسله، وقال مقاتل والقتبي { أَسْبَـٰب ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أبوابها، قرأ عاصم في رواية حفص (فَأَطَّلِعَ) بنصب العين، والباقون بالضم فمن قرأ بالنصب جعله جواباً للفعل، ومن قرأ بالضم رده إلى قوله أبلغ الأسباب فأطلع { وَإِنّى لأَظُنُّهُ كَـٰذِباً } أي لأحسب موسى كاذباً في قوله، قال الله تعالى { وَكَـذٰلِكَ زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ } أي قبح عمله { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي الدين والتوحيد، قرأ حمزة والكسائي وعاصم وَصُدَّ بضم الصاد، والباقون بالنصب، فمن قرأ بالضم فمعناه: إن فرعون صرف عن طريق الهدى، يعني إن الشيطان زين له سوء عمله، وصرفه عن طريق الهدى ومن قرأ بالنصب فمعناه صرف فرعون الناس عن الدين { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } أي ما صنع فرعون إلا في خسارة يوم القيامة، كقوله: { { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } [المسد: 1] يعني إن فرعون اختار متاعاً قليلاً، وترك الجنة الباقية، فكان عمله في الخسارة { وَقَالَ ٱلَّذِى ءامَنَ } وهو حزبيل { يٰقَوْمِ } { ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } يعني أطيعوني حتى أرشدكم وأبيّن لكم دين الصواب، قوله تعالى: { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ } أي قليل { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } لا زوال لها { مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا } يعني من عمل الشرك فلا يجزى إلا النار في الآخرة { وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } يعني من رجل أو امرأة { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي: بغير مقدار، وقال بعض الحكماء إن الله تعالى قال { مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً } ولم يقل من ذكر أو أنثى وقال: { وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } لأن العمل الصالح يَحْسُن من الرجل والمرأة والسيئة من المرأة أقبح من الرجل، فلم يذكر من ذكر أو أنثى { وَيٰقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ } يعني أن حزبيل قال لقومه: ما لي أدعوكم إلى التوحيد والطاعة وذلك سبب النجاة والمغفرة فلم تطيعوني { وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ } يعني إلى عمل أهل النار، ثم بيّن عمل أهل النار فقال: { تَدْعُونَنِى لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ } يعني: لأجحد بوحدانية الله { وَأُشْرِكَ بِهِ } أي أشرك بالله، { مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } يعني ما ليس لي به حجة بأن مع الله شريكاً { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } يعني إلى دين العزيز الغفار، العزيز في ملكه، الغفار: لمن تاب { لاَ جَرَمَ } أي حقاً يقال: لا جرم يعني لا بد { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا } أي ليس له قدرة، ويقال ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا { وَلاَ فِى ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } أي مصيرنا ومرجعنا إلى الله يوم القيامة { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ } يعني المشركين { هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } يعني هم في النار أبداً { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ } يعني ستعرفون إذا نزل بكم العذاب، وتعلمون أن ما أقول لكم من النصيحة أنه حق { وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ } يعني أمر نفسي إلى الله، وأدع تدبيري إليه { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } يعني عالم بأعمالهم وبثوابهم، فأرادوا قتله فهرب منهم فبعث فرعون في طلبه فلم يقدروا عليه فذلك قوله { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } يعني دفع الله عنه شر ما أرادوا { وَحَاقَ بِـئَالِ فِرْعَوْنَ } يعني نزل بهم { سُوءُ ٱلْعَذَابِ } يعني شدة العذاب وهو الغرق { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } قال ابن عباس يعني تعرض أرواحهم على النار { غُدُوّاً وَعَشِيّاً } هكذا قال قتادة ومجاهد، وقال مقاتل: تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين، وقال ابن مسعود "أَرْوَاحُهُم في جوْف طَيْر سُودٍ يَرَوْنَ مَنَازِلهم غُدوة وَعَشِيَّةً" وقال هذيل بن شرحبيل "أرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" وإن أرواح آل فرعون في جوف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها، والآية تدل على إثبات عذاب القبر لأنه ذكر دخولهم النار يوم القيامة وذكر أنه تعرض عليهم النار قبل ذلك غدواً وعشياً، ثم قال { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } يعني يقال لهم يوم القيامة { أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ } قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو أُدْخُلُوا بضم الألف والخاء، وهكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر، والباقون بنصب الألف وكسر الخاء، فمن قرأ أُدْخُلُوا بالضم فمعناه ادخلوا يا آل فرعون { أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } فصار الآل نصباً بالنداء، ومن قرأ أَدْخِلوا بالنصب معناه: يقال للخزنة أدخلوا آل فرعون يعني قوم فرعون أشد العَذَابِ يعني أسفل العذاب فصار الآل نصباً لوقوع الفعل عليه.