التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
٧٧
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ
٧٨
ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٧٩
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
٨٠
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ
٨١
أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
٨٤
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ
٨٥
-غافر

بحر العلوم

{ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني: اصبر يا محمد على أذى الكفار إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ أي كائن { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } من العذاب، يعني فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا، وهو القتل والهزيمة { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } من قبل أن نرينك عذابهم في الدنيا { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يعني: يرجعون إلينا في الآخرة فنجزيهم بأعمالهم { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ } يعني: إلى قومهم { مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ } يعني: سميناهم لك فأنت تعرفهم { وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } يعني: لم نسمهم لك، ولم نخبرك بهم، يعني أنهم صبروا على أذاهم، فاصبر أنت يا محمد على أذى قومك كما صبروا { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـئَايَةٍ } أي ما كان لرسول من القدرة أن يأتي بآية، أي بدلائل وبراهين { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني: بأمره { فَإِذَا جَـاء أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني: بالعذاب { قُضِىَ بِٱلْحَقِّ } أي: عذبوا ولم يظلموا حين عذبوا { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي خسر عند ذلك المبطلون، يعني المشركون، ويقال يعني الظالمون، ويقال الخاسرون، ثم ذكر صنعه ليعتبروا فقال { ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمَ } يعني: خلق لكم البقر والغنم والإبل { لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } أي بعضها وهو الإبل { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي: من الأنعام منافع، في ظهورها، وشعورها، وشرب ألبانها { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ } أي: ما في قلوبكم من بلد إلى بلد { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } يعني: على الأنعام وعلى السفن { وَيُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } يعني: دلائله وعجائبه { فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } بأنها ليست من الله { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } يعني: يسافروا في الأرض { فَيَنظُرُواْ } أي: فيعتبروا { كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني: آخر أمر من كان قبلهم كيف فعلنا بهم حين كذبوا رسلهم { كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ } يعني: أكثر من قومك في العدد { وَأَشَدَّ قُوَّةً } من قومك { وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } يعني: مصانعهم أعظم آثاراً في الأرض وأطول أعماراً، وأكثر ملكاً في الأرض { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يعني: لم ينفعهم ما عملوا في الدنيا حين نزل بهم العذاب { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالأمر والنهي، وبخبر العذاب { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } يعني: من قلة علمهم، رضوا بما عندهم من العلم، ولم ينظروا إلى دلائل الرسل، ويقال رضوا بما عندهم فقالوا: لن نعذب، ولن نبعث، ويقال فرحوا بما عندهم من العلم، أي علم التجارة كقوله: يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، { وَحَاقَ بِهِم } أي نزل بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي: يسخرون به ويقولون أنه غير نازل بهم { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي عذابنا في الدنيا { قَالُواْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا } أي تبرأنا { بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } يعني: بما كنا به مشركين من الأوثان { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ } يعني: تصديقهم { لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي: حين رأوا عذابنا، قال القتبي: البأس الشدة والبأس العذاب كقوله { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } وكقوله: { { فَلَمَّا أَحَسُّواْ بأْسَنا } [الأنبياء: 12]، { سُنَّتُ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ } قال مقاتل: يعني كذلك كانت سنة الله { فِى عِبَادِهِ } يعني العذاب في الأمم الخالية، إذا عاينوا العذاب لم ينفعهم الإيمان، وقال القتبي: هكذا سنة الله أنه من كفر عذبه { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي: خسر عند ذلك الكافرون بتوحيد الله عز وجل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.