التفاسير

< >
عرض

أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ
٥
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ
٦
وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٧
فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ
٩
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٠
وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
١١
وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ
١٢
لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
١٣
وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ
١٤
-الزخرف

بحر العلوم

قوله عز وجل: { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً } يعني: أفندع ونترك أن نرسل إليكم الوحي مبهماً، لا آمركم ولا أنهاكم، وقال القتبي معناه: أن أمسك عنكم فلا أذكركم إعراضاً، يقال: صفحت عن فلان إذا أعرضت عنه، وقال مجاهد معناه: تكذبون بالقرآن ولا تعاقبون فيه، قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } بنصب الألف، وقرأ الباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فمعناه: أفنضرب عنكم ذكر العذاب بأن أسرفتم يعني: أشركتم وعصيتم، ويقال: أفنضرب عنكم ذكر العذاب لأن أسرفتم وكفرتم، ومن قرأ بالكسر فمعناه: إن كنتم قوماً مسرفين، ويقال: هو على معنى: الاستقبال، ومعناه إن تكونوا مسرفين نضرب عنكم الذكر ثم قال عز وجل: { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيّ فِى ٱلأَوَّلِينَ } يعني: كم بعثنا من نبي في أمر الأمم الأولين كما أرسلنا إلى قومك { وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } يعني: يسخرون منه قوله تعالى: { فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } يعني: من كان أشد منهم قوة { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } يعني: سنة الأولين بالهلاك قوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } يعني: المشركين { مِنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } يعني: يقولون خلقهن الله تعالى الذي هو العزيز في ملكه، العليم بخلقه، فزادهم الله تعالى في جوابهم فقال: { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } قرأ حمزة والكسائي وعاصم مَهْداً والباقون مَهاداً بالألف، يعني: قراراً للخلق { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } يعني: طرقا { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يعني: لكي تعرفوا طرقها من بلد إلى بلد، ويقال: لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ يعني: لكي تعرفوا هذه النعم، وتأخذوا طريق الهدى، ثم ذكرهم النعم فقال عز وجل: { وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً بِقَدَرٍ } يعني: بمقدار ووزن { فَأَنشَرْنَا بِهِ } يعني: أحيينا بالمطر { بَلْدَةً مَّيْتاً } يعني: أرضاً ميتة لا نبات فيها { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أنتم من قبوركم قوله تعالى: { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَزْوٰجَ كُلَّهَا } يعني: الأصناف كلها من النبات، والحيوان، وغير ذلك { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ } يعني: جعل لبني آدم من السفن، والإبل والدواب ما يركبون عليها ثم قال: { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } يعني: لتركبوا ظهور الأنعام، ولم يقل ظهورها؟ لأنه انصرف إلى المعنى وهو جنس الأنعام { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } يعني: إذا ركبتم فتحمدوا الله تعالى { وَتَقُولُواْ } عند ذلك { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } يعني: ذلل لنا هذا { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } يعني: مطيعين وقال أهل اللغة: أنا مقر لك أي مطيق لك، ويقال مقرنين: أي مالكين، ويقال: ضابطين ثم قال: { وَإِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ } يعني: راجعين إليه في الآخرة، وقد روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال: إذا ركب الرجل دابته ولم يذكر اسم الله تعالى ركب الشيطان من ورائه، ثم صك في قفاه، فإن كان يحسن الغناء قال له تغن، وإن كان لا يحسن الغناء قال له تمن، يعني: تكلم بالباطل وعن علي بن ربيعة أنه قال: كنت رديفاً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلمَّا استوى، قال: الحمد لله، ثم قال سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ.