التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ
٥٧
وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
٥٨
إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٥٩
وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ
٦٠
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
٦١
وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٦٢
-الزخرف

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } يعني: وصف ابن مريم شبهاً { إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } يعني: يعرضون عن ذكره، ويقال: لما قالت النصارى إن عيسى ابن الله، إذا قومك منه يصدون، قرأ ابن عامر والكسائي ونافع (يَصُدُّونَ) بضم الصاد وقرأ الباقون (يَصِدُّونَ) بالكسر، فمن قرأ بالضم فمعناه: يعرضون، ومن قرأ بالكسر فمعناه يضجون ويرفعون أصواتهم تعجباً، وذلك أنهم قالوا لما جاز أن يكون عيسى ابن الله، جاز أن تكون الملائكة بناته، فعارضوه بذلك يعني: أهل مكة ورفعوا أصواتهم بذلك ويقال: إن عبد الله بن الزبعرى، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرنا في سورة الأنبياء ففرح المشركون بذلك، ورفعوا أصواتهم تعجباً من قوله آلهتنا خير، ثم قال تعالى: { وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعني: أم عيسى، فإذا جاز أن يكون هو ولدا، جاز أن تكون الأصنام والملائكة كذلك، ويقال: فإذا جاز أن يكون هو في النار، جاز أن تكون معه الأصنام في النار قوله: { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلا } يعني: ما عارضوك بهذه المعارضة إلا جدلاً { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } يعني: يجادلونك شديد المجادلة بالباطل قوله تعالى: { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } أي ما كان عيسى إلا عبداً لله أنعم الله تعالى عليه بالنبوة، وأكرمه بها { وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلاً لّبَنِى إِسْرٰءيلَ } يعني: عبرة لبني إسرائيل ليعتبروا به حين ولد ابن من غير أب ثم قال: { وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَـٰئِكَةً فِى ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } يعني: لو شاء الله، لجعل مكانكم في الأرض ملائكة يخلفون، فكانوا خلفاً منكم ثم رجع إلى صفة عيسى عليه السلام فقال: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ } يعني: نزول عيسى علامة لقيام الساعة ويقال: نزول عيسى آية للناس، وروى وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين، عن أبي يحيى عن ابن عباس في قوله: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ } قال خروج عيسى ابن مريم وروى معمر عن قتادة قال: نزول عيسى، وروى عبادة عن حميد عن أبي هريرة قال "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرى عيسى عليه السلام في الأًَرْض إمَاماً مُقْسِطاً، وَكُنْتُ أرْجُو ألاَّ أمُوتَ حَتَّى آكُل مع عيسى عليه السلام عَلَى مَائِدَةٍ فَمَنْ لَقِيهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَم" قرأ بعضهم (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ) بكسر العين أي: بنزول المسيح يعلم أنه قد قربت الساعة، ومن قرأ (وَإنَّهُ لَعَلَمٌ) بالنصب فإنه بمعنى الدليل والعلامة، قوله تعالى: { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } يعني: لا تشكن في القيامة والبعث { وَاتَّبِعُونِي } يعني أطيعونني { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يعني: هذا التوحيد صراط مستقيم { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } يعني: لا يصرفنكم الشيطان عن طريق الهدى { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ظاهر العداوة.