التفاسير

< >
عرض

بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
٩
فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
١٠
يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
١١
رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ
١٢
أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ
١٣
ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ
١٤
إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ
١٥
يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ
١٦
-الدخان

بحر العلوم

قوله عز وجل: { بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ } يعني: يستهزؤون ويقال هذا جواب قوله إن كنتم موقنين فكأنه قال لا يوقنون بل هم في شك يلعبون يعني: يخوضون في الباطل قوله تعالى: { فَٱرْتَقِبْ } يعني: فانتظر يا محمد { يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } يعني الجدب والقحط، قال القتبي: سمي الجدب، والقحط دخاناً وفيه قولان: أحدهما أن الجائع كأنه يرى بينه وبين السماء دخاناً من شدة الجوع والثاني: أنه سمي القحط دخاناً ليبس الأرض، وانقطاع النبات، وارتفاع الغبار، فشبه بالدخان، وروى الأعمش عن مسلم ابن صبيح عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: «خمس مضين الدخان، واللزام، يعني العذاب الأكبر، والروم، والبطشة، والقمر وروي عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في المسجد فسئل عن قوله { يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } فقال إذا كان يوم القيامة نزل دخان من السماء فأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، وأخذ المؤمنون منه بمنزلة الزكام، قال مسروق فدخلت على عبد الله فأخبرته وكان متكئاً فاستوى قاعداً ثم أنشأ فقال: يا أيها الناس من كان عنده علم فسئل عنه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم، إن قريشاً حين كذبوه يعني: - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم فقال "اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف عليه السلام" فأصابهم سنة، وشدة الجوع حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام حتى كان يرى أحدهم كان بينه وبين السماء دخاناً. فذلك قوله { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } يعني انتظر بهلاكهم يوم تأتي السماء بدخان مبين { يَغْشَى ٱلنَّاسَ } يعني أهل مكة { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني يقولون هذا الجوع عذاب أليم، ثم إن أبا سفيان وعتبة بن ربيعة، والعاص بن وائل وأصحابهم قالوا يا رسول الله استسق الله لنا فقد أصابنا شدة قوله تعالى: { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ } يعني الجوع { إِنَّا مْؤْمِنُونَ أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذّكْرَىٰ } يعني من أين لهم التوبة والعظة والتذكرة { وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } بلغتهم ومفقه لهم { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } يعني أعرضوا عما جاء به فلم يصدقوه، ومع ذلك { وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } يعلمه جبر ويسار أسماء الرجلين غلامي الخضر { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } إلى المعصية، فعادوا، فانتقم منهم يوم بدر فذلك قوله { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } يعني نعاقب العقوبة العظمى { إِنَّا مُنتَقِمُونَ } منهم بكفرهم، ويقال { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } يعني يوم القيامة، ويقال آية الدخان لم تمض وستكون في آخر الزمان، وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: لم تمض آية الدخان، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وينتفخ الكافر حتى يصير كهيئة الجمل، وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: "أخْبِرْتُ أنَّ الكَوْكَب ذَا الذَّنب قد طَلَعَ، فَخَشِيتُ أنْ يَكونَ الدُّخَانَ قَد طَرق" ويقال هذا كله يوم القيامة إذا خرجوا من قبورهم، تأتي السماء بدخان مبين، محيط بالخلائق فيقول الكافرون { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ } أي ردنا إلى الدنيا { إِنَّا مْؤْمِنُونَ } يقول الله تعالى من أين لهم الرجعة وقد جاءهم رسول مبين فلم يجيبوه.